بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٩ ـ العلل ، عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عمر بن عبد العزيز عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن علة الصلاة فإن فيها مشغلة للناس عن حوائجهم ومتعبة لهم في أبدانهم قال فيها علل وذلك أن الناس لو تركوا بغير تنبيه ولا تذكير للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بأكثر من الخبر الأول وبقاء الكتاب في أيديهم فقط لكانوا على ما كان عليه الأولون فإنهم قد كانوا اتخذوا دينا ووضعوا كتبا ودعوا أناسا إلى ما هم عليه وقتلوهم على ذلك فدرس أمرهم وذهب حين ذهبوا وأراد الله تبارك وتعالى أن لا ينسيهم أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ففرض عليهم الصلاة يذكرونه في كل يوم خمس مرات ينادون باسمه وتعبدوا بالصلاة وذكروا الله لكيلا يغفلوا عنه فينسوه فيندرس ذكره (١).

بيان : درس الرسم يدرس دروسا عفا ودرسته الريح يتعدى ولا يتعدى ذكره الجوهري وقال التعبد التنسك.

أقول لعل ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على سبيل المثال أو الغرض تذكر ربهم بصفاته الجميلة ونبيهم وأئمتهم والحشر والجنة والنار وسائر ما يمكنهم الغفلة عنه بسبب الأشغال الدنيوية واللذات الدنية كما مرت الإشارة إليه.

١٠ ـ العلل ، والعيون ، عن علي بن أحمد بن محمد بن محمد بن يعقوب عن محمد بن أبي عبد الله عن محمد بن إسماعيل عن علي بن العباس عن القاسم بن الربيع الصحاف عن محمد بن سنان فيما كتب الرضا عليه‌السلام عن جواب مسائله قال علة الصلاة أنها إقرار بالربوبية لله عز وجل وخلع الأنداد وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والاعتراف والطلب للإقالة من سالف الذنوب ووضع الوجه على الأرض كل يوم خمس مرات إعظاما لله عز وجل وأن يكون ذاكرا غير ناس ولا بطر ويكون

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٦ و ٧.

٢٦١

خاشعا متذللا راغبا طالبا للزيادة في الدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار وو المداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى ويكون في ذكره لربه وقيامه بين يديه زاجرا له من المعاصي ومانعا من أنواع الفساد (١).

توضيح قوله عليه‌السلام إقرار بالربوبية قال الوالد قدس‌سره إما لاشتمالها على الإقرار بالربوبية والتوحيد والإخلاص أو لأن أصل عبادته تعالى دون غيره خلع للأنداد وإقرار بالربوبية وكذا طلب الإقالة وطلب الزيادة يحتملانهما والند بالكسر المثل والنظير والظاهر عطف الاعتراف ووضع الوجه على الذل وربما يتوهم عطفهما على الإقرار والبطر الأشر وشدة المرح والنشاط.

قوله من الانزجار أي عن المعاصي فإِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وفي أكثر نسخ الفقيه (٢) من الإيجاب أي مجرد إيجاب الله تعالى على العبد أو إيجاب العبد على نفسه عبادته تعالى كماله أو سبب كماله وقيل أي إيجاب الذكر إذ لو لم يوجب لنسي ولم يؤت به وفي بعض نسخه الإنجاب بالنون أي يصير به نجيبا حسن الأخلاق من قولهم أنجب أي صار نجيبا وأنجب أي ولد نجيبا وما هنا أظهر.

١١ ـ العلل ، عن أحمد بن محمد العطار عن أبيه عن أبي محمد العلوي الدينوري بإسناده رفع الحديث إلى الصادق عليه‌السلام قال : قلت له لم صارت المغرب ثلاث ركعات وأربعا بعدها ليس فيها تقصير في حضر ولا سفر فقال إن الله عز وجل أنزل على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل صلاة ركعتين في الحضر فأضاف إليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لكل صلاة ركعتين في الحضر وقصر فيها في السفر إلا المغرب فلما

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٤٤ ، عيون الأخبار ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٤.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٣٩.

٢٦٢

صلى المغرب بلغه مولد فاطمة عليها‌السلام (١) فأضاف إليها ركعة شكرا لله عز وجل فلما أن ولد الحسن عليه‌السلام أضاف إليها ركعتين شكرا لله عز وجل فلما أن ولد الحسين عليه‌السلام أضاف إليها ركعتين شكرا لله عز وجل فقال « لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ » (٢) فتركها على حالها في الحضر والسفر (٣).

بيان : فتركها أي مجموع الخمس ركعات (٤) لأنها زيدت لشكر نعم لا تذهب على حال من الأحوال فينبغي أن لا يسقط شكرها أيضا في وقت من الأوقات.

١٢ ـ العلل ، عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن هشام بن سالم عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن المسيب قال : سألت علي بن الحسين عليه‌السلام فقلت له متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه قال فقال بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله عز وجل على المسلمين الجهاد زاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة سبع ركعات في الظهر ركعتين وفي العصر ركعتين وفي المغرب ركعة وفي العشاء الآخرة ركعتين وأقر الفجر على ما فرضت بمكة لتعجيل عروج ملائكة الليل إلى السماء ولتعجيل نزول ملائكة النهار إلى الأرض فكان ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الفجر فلذلك قال الله عز وجل « وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً » (٥) يشهده المسلمون ويشهده ملائكة النهار وملائكة الليل (٦).

__________________

(١) وينافيه الحديث الآتي وسائر الأحاديث المشابهة لها بل واجماع المسلمين ان الركعات السبع زيدت في المدينة ، وقد كان مولدها (ص) بمكة بعد المبعث بخمسة أعوام.

(٢) النساء : ١١.

(٣) علل الشرائع ج ٢ ص ١٣.

(٤) بل المراد صلاة المغرب فان السؤال كان عنها.

(٥) أسرى : ٧٨.

(٦) علل الشرائع ج ٢ ص ١٤.

٢٦٣

العياشي ، عن ابن المسيب مثله (١).

تبيين التعليل بتعجيل عروج ملائكة الليل ظاهر إما من حيث إنه سبب لتعجيلهم أو مسبب عنه وأما التعليل بتعجيل نزول ملائكة النهار فلا يخلو من خفاء ويمكن توجيهه بوجوه الأول أن يكون قصر الصلاة معللا بتعجيل العروج فقط ويكون تعجيل النزول علة لما بعده أعني شهود ملائكة الليل والنهار معا وأما أن مدخول الفاء لا يعمل فيما قبله فأمره هين لوقوعه في القرآن المجيد وكلام الفصحاء كثيرا كقوله تعالى « وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ » والتأويل مشترك وهذا إنما يستقيم فيه هذا التوجيه.

الثاني أن يقال إذا كانت صلاة الفجر قصيره يتعجلون في النزول ليدركوها بخلاف ما إذا كانت طويلة لإمكان تأخيرهم النزول إلى الركعة الثالثة أو الرابعة وهذا إنما يتوجه لو لم يلزم شهودهم من أول الصلاة والظاهر من الخبر خلافه.

الثالث أن يقال إرادة الله تعالى متعلقة بعدم اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في الأرض كثيرا لمصلحة من المصالح فيكون تعجيل عروج ملائكة الليل أمرا مطلوبا في نفسه ومعللا أيضا بتعجيل نزول ملائكة النهار.

الرابع أن يكون شهود ملائكة النار لصلاة الفجر في الهواء ويكون المراد بنزولهم نزولهم إلى الأرض.

١٣ ـ العلل ، عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد عن عبد الله بن حماد عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت لأي علة أوجب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الزوال ثمان قبل الظهر وثمان قبل العصر ولأي علة رغب في وضوء المغرب كل الرغبة ولأي علة أوجب الأربع الركعات من بعد المغرب ولأي علة كان يصلي صلاة الليل في آخر الليل ولا يصلي في أول الليل؟

قال لتأكيد الفرائض لأن الناس لو لم يكن إلا أربع ركعات الظهر

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٠٩ و ٣١٠.

٢٦٤

لكانوا مستخفين بها حتى كاد يفوتهم الوقت فلما كان شيئا غير الفريضة أسرعوا إلى ذلك لكثرته وكذلك التي من قبل العصر ليسرعوا إلى ذلك لكثرته وذلك لأنهم يقولون إن سوفنا ونريد أن نصلي الزوال يفوتنا الوقت وكذلك الوضوء في المغرب يقولون حتى نتوضأ يفوتنا الوقت فيسرعوا إلى القيام وكذلك الأربعة ركعات التي من بعد المغرب وكذلك صلاة الليل في آخر الليل ليسرعوا إلى القيام إلى صلاة الفجر فلتلك العلة وجب هذه هكذا (١).

بيان : حمل الوجوب على الاستحباب المؤكد وهو شائع في الأخبار فإن مراتب الطاعات مختلفة فأولها الفرائض وهي التي ثبت وجوبها بالقرآن ثم الواجبات التي ثبت وجوبها بالسنة ثم السنن التي كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يواظب عليها في أواخر عمره وهي تالية للواجبات وقد يعبر عنها بالواجب ثم التطوعات وهي المستحبات التي لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يواظب عليها في آخره عمره للتوسعة على الأمة وكذا النواهي أولها الكبائر ثم الصغائر ثم المكروهات الشديدة التي قد يعبر عنها بالحرمة ثم المكروهات الخفيفة.

وحاصل هذا التعليل أن الإنسان بسبب كثرة أشغاله وكسله يؤخر الأمر الذي يلزم عليه إلى آخر أوقات إمكان الفعل وقد يخطأ في تقدير الوقت فيقع بعضها خارجا عن الوقت فضمت النوافل إلى الفرائض لتكون وقاية لها فإذا قدر وقت اثنتي عشرة ركعة للظهر مثلا وأخطأ يقع النقص في النافلة وتقع الفريضة في وقتها بخلاف ما إذا قدر وقت الأربع الركعات وأخطأ يقع بعض الفريضة خارج الوقت فظهر أن النوافل كما أنها مكملة كذلك هي وقاية لها.

١٤ ـ العلل ، عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن الحسين السعدآبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن فضالة عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : لما هبط آدم من الجنة ظهرت فيه شامة سوداء في وجهه من قرنه إلى قدمه فطال حزنه وبكاؤه على ما ظهر به فأتاه جبرئيل عليه‌السلام فقال له

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٨.

٢٦٥

ما يبكيك يا آدم قال لهذا الشامة التي ظهرت بي قال قم فصل فهذا وقت الصلاة الأولى.

فقام فصلى فانحطت الشامة إلى عنقه فجاءه في وقت الصلاة الثانية فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثانية فقام فصلى فانحطت الشامة إلى سرته فجاءه في الصلاة الثالثة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الثالثة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى ركبتيه فجاءه في الصلاة الرابعة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الرابعة فقام فصلى فانحطت الشامة إلى رجليه فجاءه في الصلاة الخامسة فقال يا آدم قم فصل فهذا وقت الصلاة الخامسة فقام فصلى فخرج منها فحمد الله وأثنى عليه فقال جبرئيل يا آدم مثل ولدك في هذه الصلاة كمثلك في هذه الشامة من صلى من ولدك في كل يوم وليلة خمس صلوات خرج من ذنوبه كما خرجت من هذه الشامة (١).

المحاسن ، عن أبيه عن فضالة مثله (٢).

بيان الشامة بغير همز الخال وقال الوالد قدس‌سره يمكن أن يكون ظهور الشامة لردع أولاده عن الخطايا واعتبارهم أو لأنه كلما كان الصفاء أكثر كان تأثير المخالفات أشد ويحتمل على بعد أن تكون الشامة كناية عن حط رتبته وحطها عن رفعها ويكون ذكر العنق والسرة والركبة من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس أو يكون كناية عن ذهاب أثر الخطأ عن تلك الأعضاء ويدل الخبر على أن الصلاة مكفرة لجميع الذنوب للجمع المضاف.

١٥ ـ العلل ، عن محمد بن علي ماجيلويه عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الكوفي عن صباح الحذاء عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام كيف صارت الصلاة ركعة وسجدتين وكيف إذا صارت سجدتين لم تكن ركعتين فقال إذا سألت عن شيء ففرغ قلبك لتفهم

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٧ ـ ٢٨.

(٢) المحاسن ص ٣٢١.

٢٦٦

إن أول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما صلاها في السماء بين يدي الله تبارك وتعالى قدام عرشه جل جلاله وذلك أنه لما أسري به وصار عند عرشه تبارك وتعالى قال يا محمد ادن من صاد فاغسل مساجدك وطهرها وصل لربك فدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى حيث أمر الله تعالى فتوضأ فأسبغ وضوءه ثم استقبل الجبار تبارك وتعالى قائما فأمره بافتتاح الصلاة ففعل.

فقال يا محمد اقرأ « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » إلى آخرها ففعل ذلك ثم أمره أن يقرأ نسبة ربه تبارك وتعالى « بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ » ثم أمسك عنه القول فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ » فقال قل « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » فأمسك عنه القول فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك الله ربي كذلك الله ربي كذلك الله ربي.

فلما قال ذلك قال اركع يا محمد لربك فركع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له وهو راكع قل سبحان ربي العظيم وبحمده ففعل ذلك ثلاثا ثم قال ارفع رأسك يا محمد ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقام منتصبا بين يدي الله فقال اسجد يا محمد لربك فخر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا فقال قل سبحان ربي الأعلى وبحمده ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا فقال له استو جالسا يا محمد ففعل فلما استوى جالسا ذكر جلال ربه جل جلاله فخر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه عز وجل فسبح أيضا ثلاثا فقال انتصب قائما ففعل فلم ير ما كان رأى من عظمة ربه جل جلاله.

فقال له اقرأ يا محمد وافعل كما فعلت في الركعة الأولى ففعل ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم سجد سجدة واحدة فلما رفع رأسه ذكر جلالة ربه تبارك وتعالى الثانية فخر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه عز وجل فسبح أيضا ثم قال له ارفع رأسك ثبتك الله واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور

٢٦٧

اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم تقبل شفاعته في أمته وارفع درجته ففعل فقال يا محمد سلم فاستقبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ربه تبارك وتعالى وجهه مطرقا فقال السلام عليك فأجابه الجبار جل جلاله فقال وعليك السلام يا محمد بنعمتي قويتك على طاعتي وبعصمتي إياك اتخذتك نبيا وحبيبا.

ثم قال أبو الحسن عليه‌السلام وإنما كانت الصلاة التي أمر بها ركعتين وسجدتين وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما سجد سجدتين في كل ركعة عما أخبرتك من تذكره لعظمة ربه تبارك وتعالى فجعله الله عز وجل فرضا.

قلت جعلت فداك وما صاد الذي أمر أن يغتسل منه فقال عين ينفجر من ركن من أركان العرش يقال له ماء الحياة وهو ما قال الله عز وجل « ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ » إنما أمره أن يتوضأ ويقرأ ويصلي (١).

١٦ ـ ومنه ، عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عكرمة بن عبد العرش عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن علة الصلاة كيف صارت ركعتين وأربع سجدات ألا كانت ركعتين وسجدتين فذكر نحو حديث إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام يزيد اللفظ وينقص (٢).

بيان : يظهر من هذا الخبر سر كون السجدتين معا ركنا وعدم بطلان الصلاة بزيادة واحدة منهما ونقصانها سهوا لأن ما كان بأمره تعالى كان واحدة منهما والثانية كانت من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتفويض أو بالإلهام فلم يكن لها حكم الفرائض والأركان فإذا تركنا معا تركت الفريضة والركن وتبطل الصلاة وكذا إذا زيدتا معا بأن يأتي بأربع فتكرر الفريضة بخلاف ما إذا أتى بثلاث فإنه يحتمل أن يكون المكرر ما زيد من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلا يزيد الركن.

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٣.

(٢) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٤.

٢٦٨

وربما يقال الركن هو السجدة الأولى وبه يندفع الإشكال المورد هاهنا بأنه إن كان الركن السجدتين يلزم الإخلال به بترك واحدة وإن كان الواحدة أو الطبيعة يلزم الزيادة بالإتيان بسجدتين وأكثر ويرد عليه أنه لا ينفع في دفع الإشكال إذ لا يعقل حينئذ زيادة الركن أصلا لأن السجدة الأولى لا تتكرر إلا أن يفرض أنه سها عن الأولى وسجد أخرى بقصد الأولى فعلى تقدير تسليم أنه يصدق عليه تكرر الأولى يلزم زيادة الركن بسجدتين أيضا ويلزم أنه إذا سجد ألف سجدات بغير هذا الوجه لم يكن زاد ركنا على أنه لو اعتبرت النية في ذلك يلزم بطلان صلاة من ظن أنه سجد سجدة الأولى وسجد بنية الأخيرة فظهر له بعد تجاوز المحل ترك الأولى ولعله لم يقل به أحد.

وقيل في دفع أصل الإشكال أن الركن هو أحد الأمرين من إحداهما وكلتيهما وهو أيضا غير نافع إذ يرد الإشكال فيما إذا سجد ثلاث سجدات إذ حينئذ يلزم زيادة الركن إن أخذا لا بشرط شيء وإن أخذا بشرط لا يلزم عدم تحقق الركن فيما إذا سجد ثلاث سجدات.

وتفصى بعضهم بوجه آخر وقال الركن المفهوم المردد بين السجدة الواحدة بشرط لا والسجدتين بشرط لا وثلاث سجدات بشرط لا فيندفع الإشكال إذ ترك الركن حينئذ إنما يكون بترك السجدة مطلقا أو الإتيان بأربع فما زاد وهذا وجه متين لكن يرد عليه أن القوم إنما جعلوا بطلان الأربع فما زاد لزيادة الركن لا لتركه.

ويخطر بالبال وجه آخر وهو أن يقال الركن أحد الأمرين من سجدة واحدة بشرط لا أو سجدتين لا بشرط شيء فإذا سجد سجدة واحدة سهوا فقد أتى بفرد من الركن وكذا إذا أتى بهما ولا ينتفي الركن إلا بانتفاء الفردين بأن لا يسجد أصلا وإذا سجد ثلاث سجدات لم يأت إلا بفرد واحد من الركن وهو الاثنتان وأما الواحدة الزائدة فليست فردا له لكونها مع أخرى وما كان فردا له كان بشرط لا وإذا أتى بأربع فما زاد أتى بفردين من الاثنتين وهذا وجه

٢٦٩

وجيه لم أر أحدا سبقني إليه ومع ذلك لا يخلو من تكلف.

والأظهر في الجواب أن غرضهم إما إيراد الإشكال على الأخبار فلا إشكال فيها لخلوها عن ذكر الركن وتلك القواعد الكلية ورد فيها حكم كل ركن من الأركان بوجه مخصوص وورد حكم السجود هكذا ولا يلزم توافق أجزاء الصلاة في الأحكام وأما على كلام الأصحاب رضوان الله عليهم فلا يرد عليه أيضا لأنه بعد تصريحهم بحكم السجود صارت قاعدتهم الكلية مخصوصة بغير السجود ومثل هذا في كلامهم كثير وأمثال تلك المناقشات بعد وضوح المقصود لا طائل تحتها.

١٧ ـ العلل ، عن علي بن أحمد عن محمد بن جعفر الأسدي عن موسى بن عمران النخعي عن الحسين بن يزيد النوفلي عن علي بن أبي حمزة البطائني عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام لم صارت الصلاة ركعتين وأربع سجدات قال لأن ركعة من قيام بركعتين من جلوس (١).

بيان : لعل الغرض أن العلة في الحكمين واحدة لأن علة كون الركعتين من جلوس بركعة من قيام كون الصلاة من جلوس أخف على المصلي وأسهل وهذه العلة بعينها متحققة في الركوع والسجود.

١٨ ـ العلل ، عن علي بن حاتم عن إبراهيم بن علي عن أحمد بن محمد الأنصاري عن الحسن بن علي العلوي عن أبي حكيم الزاهد عن أحمد بن عبد الله قال : بينما أمير المؤمنين عليه‌السلام مار بفناء بيت الله الحرام إذا نظر إلى رجل يصلي فاستحسن صلاته فقال يا هذا الرجل أتعرف تأويل صلاتك قال الرجل يا ابن عم خير خلق الله وهل للصلاة تأويل غير التعبد قال علي عليه‌السلام اعلم يا هذا الرجل أن الله تبارك وتعالى ما بعث نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأمر من الأمور إلا وله متشابه وتأويل وتنزيل وكل ذلك على التعبد فمن لم يعرف تأويل صلاته فصلاته كلها خداج ناقصة غير تامة.

فقال الرجل يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع يديك في التكبيرة

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ٢٥.

٢٧٠

الأولى فقال عليه‌السلام الله الواحد الأحد الذي « لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ » لا يقاس بشيء ولا يلمس بالأخماس ولا يدرك بالحواس قال الرجل ما معنى مد عنقك في الركوع قال تأويله آمنت بوحدانيتك ولو ضربت عنقي قال الرجل ما معنى السجدة الأولى فقال تأويلها اللهم إنك منها خلقتني يعني من الأرض ورفع رأسك ومنها أخرجتنا والسجدة الثانية وإليها تعيدنا ورفع رأسك من الثانية ومنها تخرجنا تارة أخرى قال الرجل ما معنى رفع رجلك اليمنى وطرحك اليسرى في التشهد قال تأويله اللهم أمت الباطل وأقم الحق (١).

بيان : قال في النهاية فيه كل صلاة ليست فيها قراءة فهي خداج الخداج النقصان يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوانه وإن كان تام الخلق وأخدجته إذا ولدته ناقص الخلق وإن كان لتمام الحمل وإنما قال فهي خداج والخداج مصدر على حذف المضاف أي ذات خداج أو يكون قد وصفها بالمصدر نفسه مبالغة كقوله فإنما هي إقبال وإدبار.

١٩ ـ العلل ، والعيون ، عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس عن علي بن محمد بن قتيبة في علل الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام فإن قال فلم أمروا بالصلاة قيل لأن في الصلاة الإقرار بالربوبية وهو صلاح عام لأن فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والاعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الأرض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكرا لله تعالى غير ناس له ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه فيبطر ويطغى وليكون في ذكر خالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي وعاجزا ومانعا عن أنواع الفساد (٢).

فإن قال فلم جعل أصل الصلاة ركعتين ولم زيد على بعضها ركعة وعلى

__________________

(١) علل الشرائع ج ٢ ص ١٠ و ٢٥ متفرقا.

(٢) علل الشرائع ج ١ ص ٢٤٤. عيون الأخبار ج ٢ ص ١٠٣ و ١٠٤.

٢٧١

بعضها ركعتين ولم يزد على بعضها شيء قيل لأن أصل الصلاة إنما هي ركعة واحدة لأن أصل العدد واحد فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عز وجل أن العباد لا يؤدون تلك الركعة الواحدة التي لا صلاة أقل منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها فقرن إليها ركعة ليتم بالثانية ما نقص من الأولى ففرض الله عز وجل أصل الصلاة ركعتين.

ثم علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن العباد لا يؤدون هاتين الركعتين بتمام ما أمروا به وكماله فضم إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين ليكون فيهما تمام الركعتين الأوليين ثم علم أن صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها أكثر للانصراف إلى الأوطان والأكل والوضوء والتهيئة للمبيت فزاد فيها ركعة واحدة ليكون أخف عليهم ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فردا.

ثم ترك الغداة على حالها لأن الاشتغال في وقتها أكثر والمبادرة إلى الحوائج فيها أعم ولأن القلوب فيها أخلى من الفكر لقلة معاملات الناس بالليل ولقلة الأخذ والإعطاء فالإنسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لأن الفكر قد تقدم [ أقل لعدم ] العمل من الليل.

فإن قال فلم جعل ركعة وسجدتين قيل لأن الركوع من فعل القيام والسجود من فعل القعود وصلاة القاعد على النصف من صلاة القيام فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما تفاوت لأن الصلاة إنما هي ركوع وسجود (١).

بيان : الإقرار بالربوبية لأن الصلاة مشتملة على الإقرار بما ذكر أو لأن أصل عبادته تعالى دون غيره خلع للأنداد وإقرار بالربوبية كما مر وكذا الطلب في الإقالة والطلب للدين والدنيا قوله وهو صلاح الضمير راجع إلى الإقرار والقيام عطف على الإقرار والبطر الطغيان بالنعمة وكراهة الشيء من غير أن يستحق الكراهة.

__________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ٢٤٨ ، عيون الأخبار ج ٢ ص ١٠٧ و ١٠٨.

٢٧٢

٢٠ ـ المحاسن ، عن أبيه عن فضالة عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إن أصحاب الدهر يقولون كيف صارت الصلاة ركعة وسجدتين ولم تكن ركعتين وسجدتين فقال إذا سألت عن شيء ففرغ قلبك لفهمه إن الناس يزعمون أن أول صلاة صلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الأرض أتاه جبرئيل بها وكذبوا إن أول صلاة صلاها في السماء بين يدي الله تبارك وتعالى مقابل عرشه جل جلاله وأوحى إليه وأمره أن يدنو من صاد فيتوضأ وقال أسبغ وضوءك وطهر مساجدك وصل لربك.

قلت له وما الصاد قال عين تحت ركن من أركان العرش أعدت لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ثم قرأ أبو عبد الله عليه‌السلام « ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ » فتوضأ وأسبغ وضوءه ثم استقبل عرش الرحمن فقام قائما فأوحى الله إليه بافتتاح الصلاة ففعل ثم أوحى الله إليه بفاتحة الكتاب وأمره أن يقرأها ثم أوحى إليه أن اقرأ يا محمد نسبة ربك فقرأ « قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ » ثم أمسك تبارك وتعالى عنه القول فقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تلقاء نفسه الله أحد الله الصمد الله الواحد الأحد الصمد ثم أوحى الله إليه تبارك وتعالى أن اقرأ « لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ » فقرأ وأمسك الله عنه القول فقرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من تلقاء نفسه كذلك الله ربنا.

فلما قال ذلك أوحى الله إليه أن اركع لربك يا محمد وانحر (١) فاستوى ونصب نفسه بين يدي الله فأوحى الله إليه أن اسجد لربك فخر ساجدا فأوحى الله إليه أن استو جالسا يا محمد ففعل فلما رفع رأسه من أول السجدة تجلى له تبارك وتعالى فخر ساجدا من تلقاء نفسه لا لأمر أمره ربه فجرى ذلك الفضل من الله وسنة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٢).

بيان : قوله وانحر أي رافعا يدك إلى نحرك أو سو بعد الركوع بين نحرك وصدرك واستو قائما أو سو في الركوع بين نحرك وصدرك وسيأتي تمام

__________________

(١) قد سقط عن الحديث ذكر الركوع والامر بالاستواء.

(٢) المحاسن ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

٢٧٣

القول فيه.

٢١ ـ أقول قال السيد بن طاوس في كتاب سعد السعود وجدت في صحف إدريس عليه‌السلام عند ذكر قصة آدم عليه‌السلام أنه كان إقامة آدم عليه‌السلام في الجنة وأكله من الشجرة خمس ساعات من نهار ذلك اليوم قال ثم نادى الله تعالى آدم أن أفضل أوقات العبادة الوقت الذي أدخلتك وزوجتك الجنة عند زوال الشمس فسبحتماني فيها فكتبتها صلاة وسميتها لذلك الأولى وكانت في أفضل الأيام يوم الجمعة ثم أهبطتكما إلى الأرض وقت العصر فسبحتماني فيها فكتبتها لكما أيضا صلاة وسميتها لذلك بصلاة العصر ثم غابت الشمس فصليت لي فيها فسميتها صلاة المغرب ثم جلست لي حين غاب الشفق فسميتها صلاة العشاء ثم قال وقد فرضت عليك وعلى نسلك في كل يوم وليلة خمسين ركعة فيها مائة سجدة فصلها يا آدم أكتب لك ولمن صلاها من نسلك ألفين وخمس مائة صلاة (١).

٢٢ ـ إرشاد القلوب ، عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة أسري به كانت الأمم السالفة مفروضا عليهم صلاتها في كبد الليل وأنصاف النهار وهي من الشدائد التي كانت وقد رفعتها عن أمتك وفرضت عليهم صلاتهم في أطراف الليل والنهار في أوقات نشاطهم وكانت الأمم السالفة مفروضا عليهم خمسون صلاة في خمسين وقت [ وقتا ] وهي من الآصار التي كانت عليهم وقد رفعتها عن أمتك.

ثم قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بيان فضل أمة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله إن الله عز وجل فرض عليهم في الليل والنهار خمس صلوات في خمسة أوقات اثنتان بالليل وثلاث بالنهار ثم جعل هذه الخمس صلوات تعدل خمسين صلاة وجعلها كفارة خطاياهم فقال عز وجل « إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ » يقول صلاة الخمس تكفر الذنوب ما اجتنب العبد الكبائر.

ثم قال عليه‌السلام إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى في السماء ليلة عرج به إليها ملائكة

__________________

(١) سعد السعود ص ٣٦.

٢٧٤

قياما وركوعا منذ خلقوا فقال يا جبرئيل هذه هي العبادة فقال جبرئيل يا محمد فاسأل ربك أن يعطي أمتك القنوت والركوع والسجود في صلاتهم فأعطاهم الله ذلك ـ فأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله يقتدون بالملائكة الذين في السماء الخبر (١).

٢٣ ـ نهج البلاغة ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في ذم التكبر ومن ذلك ما حرض الله عباده المؤمنين بالصلاة والزكاة ومجاهدة الصيام في الأيام المفروضات تسكينا لأطرافهم وتخشعا لأبصارهم وتذليلا لنفوسهم وتخفيضا لقلوبهم وإذهابا للخيلاء عنهم ولما في ذلك من تعفير عتاق الوجوه بالتراب تواضعا وإلصاق كرائم الجوارح بالأرض تصاغرا ولحوق البطون بالمتون من الصيام تذللا إلى آخر ما مر مشروحا في آخر المجلد الخامس (٢).

٢٤ ـ كتاب العلل ، لمحمد بن علي بن إبراهيم قال : العلة في الصلاة الاستعباد والإقرار بربوبيته وخلع الأنداد مكررا ذلك عليهم في كل يوم وليلة خمس مرات ولئلا ينسوا خالقهم ورازقهم ولا يغفلوا عن طاعته ويكونوا ذاكرين حامدين شاكرين لنعمه وتفضله عليهم.

وعلة أخرى ليذل فيها كل جبار عنيد ومتكبر ويعترف ويخشع ويخضع ويسجد له ويعلم أن له خالقا ورازقا ومحييا ومميتا وحتى تكون له في قيامه بين يديه زاجرا عن معاصي الله ففي الصلاة علة الاستعباد وعلة نجاة نفسه وعلة شكر نعمه.

وعلة ذل كل جبار عنيد ومتكبر وخشوعه وخضوعه وعلة نوافل الصلاة لتمام ما ينقص من الفرائض مما يقع فيها من السهو والتقصير والتخفيف وحديث النفس والسهو عن الوقت ـ.

قال : وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن علة مواقيت الصلاة ولم فرضت في خمسة

__________________

(١) إرشاد القلوب ج ٢ ص ٢٢ ، وتمام الخبر في ج ١٦ ص ٣٤١ ـ ٣٥٢.

(٢) نهج البلاغة تحت الرقم ١٩٠ من قسم الخطب ، ص ٣٦٧ ط سيد الاهل.

٢٧٥

أوقات مختلفة ولم لم تفرض في وقت واحد فقال فرض الله صلاة الغداة لأول ساعة من النهار وهي سعد وفرض الظهر لست ساعات من النهار وهي سعد وفرض العصر لسبع ساعات من النهار وهي سعد وفرض المغرب لأول ساعة من الليل وهي سعد وفرض العشاء الآخرة لثلاث ساعات من الليل وهي سعد فهذه إحدى العلل لمواقيت الصلاة ولا يجوز أن تؤخر الصلاة من هذه الأوقات السعد فتصير في أوقات النحوس.

٢٧٦

٣

( باب )

( أنواع الصلاة والمفروض والمسنون منها )

( ومعنى الصلاة الوسطى )

الآيات البقرة « حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ » (١).

تفسير المحافظة عليها بأدائها في أوقاتها والمواظبة عليها بجميع شروطها وحدودها وإتمام أركانها ويدل بناء على كون الأمر مطلقا أو خصوص أمر القرآن للوجوب على وجوب المحافظة على جميع الصلوات إلا ما أخرجها الدليل

__________________

(١) البقرة : ٢٣٨ ، والذي عندي رغم الاختلاف الذي وقع بين الأمة في معنا هذه الكريمة الشريفة أن المراد بالصلوات ـ بصيغة الجمع ـ الصلوات الخمس ـ فانها هي التي تعرض لذكرها القرآن الكريم بلفظ الصلاة ، فتكون الآية ناظرة إليها ، وأما النوافل وغيرها من ركعات السنة التي جعلت داخل الفرض فالتعبير عنها في القرآن العزيز انما هو بلفظ السبحة والتسبيح وامثال ذلك.

والمراد بالحفظ هو ضبط الشيء في النفس ثم يشبه به ضبطه بالمنع من الذهاب ، وهو خلاف النسيان كما قاله في المجمع.

فحفظ الصلاة إذا عنى به ضبطها في النفس لا يكون الا من حيث عدد الركعات وهى الركعتان الاولتان من كل صلاة لأنهما الفرض المذكور في القرآن ، والركعات الثلاث في صلاة المغرب ، فانها هي الوسطى من حيث عدد الركعات التي كان الكلام في حفظها.

فعلى هذا حفظ عدد الركعات المذكورة فرض ، فيكون ركنا تبطل الصلاة بالاخلال به ، بمعنى أنه إذا سها المصلى في عدد هذه الركعات المذكورة ولم يتذكر بعد التروى فصلاته باطل ، كما أن سائر أركان الصلاة انما صارت ركنا لكونها مفروضة في القرآن

٢٧٧

وربما يستدل بها على وجوب صلاة الجمعة والعيدين والآيات لكن في بعض الروايات أن المراد بها الصلوات الخمس وعلى تقدير العموم يمكن تعميمها بحيث يشمل النوافل والتطوعات أيضا فلا يكون الأمر على الوجوب ويشمل رعاية السنن في الصلاة الواجبة أيضا كما يفهم من بعض الأخبار وعلى الوجوب أيضا يمكن أن تعم النوافل أيضا بمعنى رعاية ما يوجب صحتها وعدم تطرق بدعة إليها فيؤول إلى أنه إذا أتيتم بالنافلة فأتوا بها على ما أمرتم برعاية شرائطها ولوازمها وفيه مجال نظر.

وخص الصلاة الوسطى بذلك بعد التعميم لشدة الاهتمام بها لمزيد فضلها أو لكونها معرضة للضياع من بينها فهي الوسطى بين الصلوات وقتا أو عددا أو

__________________

العزيز ، وسيجيء الكلام فيه.

وأما القنوت ـ فعلى ما يظهر من موارد ذكره وتصاريفه في القرآن العزيز ـ هو اظهار المطاوعة والانقياد بالتذلل والإخلاص والرغبة ، ولا يكون الا من قبل المصلى وانشائه كيف ما أمكن ، بأن يثنى على الله عز وجل بما هو أهله ويمدحه ويهلله ثم يتضرع اليه بالتذلل والإخلاص ويظهر العبودية والانقياد والتسليم لاوامره ونواهيه ، وأنه عبد لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا وأنه فقير محتاج الى رحمة الله في الدنيا والآخرة والله هو الغنى ذو الرحمة ، ولما كان مقيدا بكون القنوت عن قيام ، لا ينطبق الا على القنوت الاصطلاحى ، وأما رفع اليدين ففيه تمثيل معنى العبودية والتذلل واظهارها عملا ليتوافق الظاهر والباطن.

وما قيل ان القنوت هو حسن الطاعة أو دوامها أو هو الخشوع في الصلاة فليس بشيء فان القنوت قد قيد في هذه الآية بكونه عن قيام ، وهكذا قيد في قوله تعالى ، « أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً » بحال دون حال ، فيدل على كونه صفة وحالة تظهر في وقت ، ولا تظهر في وقت آخر ، وأما الخشوع وحسن الطاعة ودوامها فكلها مطلوب في تمام الصلاة ، لا حال القيام.

٢٧٨

الفضلى من قولهم للأفضل الأوسط وقد قال بتعيين كل من الصلوات الخمس قوم إلا أن أصحابنا لم يقولوا بغير الظهر والعصر كما يظهر من المنتهى وغيره.

فقال الشيخ في الخلاف إنها الظهر وتبعه جماعة من أصحابنا وبه قال زيد بن ثابت وعائشة وعبد الله بن شداد لأنها بين صلاتين بالنهار ولأنها في وسط النهار ولأنها تقع في شدة الحر والهاجرة وقت شدة تنازع الإنسان إلى النوم والراحة فكانت أشق وأفضل العبادات أحمزها وأيضا الأمر بمحافظة ما كان أشق أنسب وأهم ولأنها أول صلاة فرضت ولأنها في الساعة التي يفتح فيها أبواب السماء فلا تغلق حتى تصلي الظهر ويستجاب فيها الدعاء قيل ولأنها بين البردين صلاة الصبح وصلاة العصر وقيل لأنها بين نافلتين متساويتين كما نقل عن ابن الجنيد أنه علل به.

وروى الجمهور من زيد بن ثابت قال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلي صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منها فنزلت الآية رواه أبو داود.

وروى الترمذي وأبو داود عن عائشة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قرأ حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر. قال في المنتهى والعطف يقتضي المغايرة لا يقال الواو زائدة كما في قوله تعالى « وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ » لأنا نقول الزيادة منافية للأصل فلا يصار إليها إلا لموجب والمثال الذي ذكروه نمنع زيادة الواو فيه بل هي للعطف على بابها وقال في مجمع البيان (١) كونها الظهر هو المروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وعن بعض أئمة الزيدية أنها الجمعة في يومها والظهر في غيرها كما سيأتي في بعض أخبارنا.

وقال السيد المرتضى ره هي صلاة العصر وتبعه جماعة من أصحابنا وبه قال أبو هريرة وأبو أيوب وأبو سعيد عبيدة السلماني والحسن والضحاك وأبو حنيفة وأصحابه وأحمد ونقله الجمهور عن علي عليه‌السلام قالوا لأنها بين

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ ص ٣٤٣.

٢٧٩

صلاتي ليل وصلاتي نهار واحتج السيد بإجماع الشيعة والمخالفون بما رووا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال يوم الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا وروى في الكشاف عن صفية أنها قالت لمن كتب لها المصحف إذا بلغت هذه فلا تكتبها حتى أملأها عليك كما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقرأ فأملت عليه والصلاة الوسطى صلاة العصر وبأنها تقع في حال اشتغال الناس بمعاشهم فيكون الاشتغال بها أشق.

وقال بعض المخالفين هي المغرب لأنها تأتي بين بياض النهار وسواد الليل ولأنها متوسطة في العدد بين الرباعية والثنائية ولأنها لا تتغير في السفر والحضر مع زيادتها على الركعتين فيناسب التأكيد ولأن الظهر هي الأولى إذ قد وجبت أولا فتكون المغرب هي الوسطى.

وقال بعضهم هي العشاء لأنها متوسطة بين صلاتين لا تقصران أو بين ليلية ونهارية ولأنها أثقل صلاة على المنافقين كما روي وقال بعضهم هي الصبح لتوسطها بين صلاتي الليل وصلاتي النهار وبين الظلام والضياء ولأنها لا تجمع مع أخرى فهي منفردة بين مجتمعتين ولمزيد فضلها لشهود ملائكة الليل وملائكة النهار وعندها ولأنها تأتي في وقت مشقة من برد في الشتاء وطيب النوم في الصيف وفتور الأعضاء وكثرة النعاس وغفلة الناس واستراحتهم فكانت معرضة للضياع فخصت لذلك بشدة المحافظة وبه قال مالك والشافعي وقال ولذا عقبه بالقنوت فإنه لا يشرع عنده في فريضة إلا الصبح إلا عند نازلة فيعم.

وقيل هي مخفية مثل ليلة القدر وساعة الإجابة واسم الله الأعظم لئلا يتطرق التساهل إلى غيرها بل يهتم غاية الاهتمام بكل منها فيدرك كمال الفضل في الكل.

والظاهر أنها الجمعة والظهر وإنما أبهم بعض الإبهام لتلك الفائدة وغيرها مما قيل في إخفاء أمثالها وسيتضح لك ذلك في تضاعيف ما يقرع سمعك

٢٨٠