بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

٢٤ ـ المسكن وعن ابن عباس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إن للموت فزعا فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَإِنَّا إِلى رَبِّنا لَمُنْقَلِبُونَ » اللهم اكتبه عندك من المحسنين واجعل كتابه في عليين واخلف على عقبه في الآخرين اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

وعن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه‌السلام أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : من أصابته مصيبة فقال إذا ذكرها « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » جدد الله له أجرها مثل ما كان له يوم أصابته.

وعن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال لما حضرت عبادة الوفاة قال أخرجوا فراشي إلى الصحن يعني الدار ففعلوا ذلك ثم قال أجمعوا لي موالي وخدمي وجيراني ومن كان يدخل علي فجمعوا فقال إن يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي علي من الدنيا وأولى ليلة من ليالي الآخرة وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء وهو والذي نفس عبادة بيده القصاص يوم القيامة فأحرج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني قبل أن تخرج نفسي فقالوا بل كنت والدا وكنت مؤدبا وما قال لخادم سوءا قط قال أغفرتم لي ما كان من ذلك قالوا نعم قال اللهم اشهدهم ثم قال أما فاحفظوا وصيتي أحرج على إنسان منكم يبكي فإذا خرجت نفسي فتوضئوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا يصلي ثم ليستغفر لعبادة ولنفسه فإن الله عز وجل قال « اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ » (١) ثم أسرعوا بي إلى حفرتي ولا تتبعوني بنار ولا تضعوا تحتي أرجوانا.

بيان : في النهاية في الدعاء على ما فرط مني أي سبق وتقدم وقال فيه في قتل الحيات فليحرج عليها هو أن يقول لها أنت في حرج أي ضيق إن عدت إلينا.

ومنه اللهم إني أحرج حق الضعيفين أي أضيقه وأحرمه على من ظلمهما.

__________________

(١) البقرة : ١٥٣.

١٤١

٢٥ ـ المسكن عن ربعي بن عبد الله عن الصادق عليه‌السلام قال : إن الصبر والبلاء يستبقان إلى المؤمن فيأتيه البلاء وهو صبور وإن الجزع والبلاء يستبقان إلى الكافر فيأتيه البلاء وهو جزوع.

وعن أبي ميسرة قال : كنا عند أبي عبد الله عليه‌السلام فجاءه رجل وشكا إليه مصيبته فقال له أما إنك إن تصبر تؤجر وإن لا تصبر يمض عليك قدر الله عز وجل الذي قدر الله عليك وأنت مذموم.

وكان أبو ذر رضي‌الله‌عنه لا يعيش له ولد فقيل له إنك امرؤ لا يبقى لك ولد فقال الحمد لله الذي يأخذهم في دار الفناء ويدخرهم في دار البقاء.

وروي أن قوما كانوا عند علي بن الحسين عليهما‌السلام فاستعجل خادما بشواء في التنور فأقبل به مسرعا فسقط السفود من يده على ابن له عليه‌السلام فأصاب رأسه فقتله فوثب علي بن الحسين عليه‌السلام فلما رأى ابنه ميتا قال للغلام أنت حر لوجه الله أما إنك لم تتعمده وأخذ في جهاز ابنه.

وروى الصدوق أنه لما مات ذر بن أبي ذر وقف على قبره ومسح القبر بيده ثم قال رحمك الله يا ذر والله إن كنت بي لبرا ولقد قبضت وإني عنك راض والله ما بي فقدك ولا علي من غضاضة وما لي إلى أحد سوى الله من حاجة ولو لا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك وقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك والله ما بكيت لك بل بكيت عليك فليت شعري ما قلت وما قيل لك اللهم إني وهبت ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك فأنت أحق بالجود مني والكرم.

بيان : إن في قوله إن كنت مخففة ما بي فقدك أي ليس بي غم من فقدك ولا علي بأس ومنقصة من فوتك والغضاضة الذلة والمنقصة ولو لا هول المطلع بالفتح أي ما يشرف عليه من أهوال الآخرة وربما يقرأ بالكسر أي الرب تعالى.

٢٦ ـ المسكن ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أحب الله عبدا ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن رضي اصطفاه.

١٤٢

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله أعطوا الله الرضا من قلوبكم تظفروا بثواب الله تعالى يوم فقركم والإفلاس.

وفي أخبار موسى عليه‌السلام أنهم قالوا اسأل لنا ربك أمرا إذا نحن فعلناه يرضى به عنا فأوحى الله تعالى إليه قل لهم يرضون عني حتى أرضى عنهم.

وفي أخبار داود عليه‌السلام ما لأوليائي والهم بالدنيا إن الهم يذهب حلاوة مناجاتي من قلوبهم يا داود إن محبتي من أوليائي أن يكونوا روحانيين لا يغتمون.

وروي أن موسى عليه‌السلام قال : يا رب دلني على أمر فيه رضاك عني أعمله (١) فأوحى الله إليه أن رضاي في كرهك وأنت ما تصبر على ما تكره قال يا رب دلني عليه قال فإن رضاي في رضاك بقضائي.

وعن ابن عباس قال أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله تعالى على كل حال.

وعن داود بن زربي عن الصادق عليه‌السلام قال : من ذكر مصيبة ولو بعد حين فقال : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، اللهم أجرني على مصيبتي وأخلف علي أفضل منها ، كان له من الأجر مثل ما كان عند أول صدمة.

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه قال في مرض موته أيها الناس أيما عبد من أمتي أصيب بمصيبة من بعدي فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي.

وعن عبد الله بن الوليد بإسناده قال : لما أصيب علي عليه‌السلام بعثني الحسن إلى الحسين عليه‌السلام وهو بالمدائن فلما قرأ الكتاب قال يا لها من مصيبة ما أعظمها مع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابي فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها.

__________________

(١) حتى أعمله.

١٤٣

وروى إسحاق بن عمار عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : يا إسحاق لا تعدن مصيبة أعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله الثواب إنما المصيبة التي يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها.

وعن جابر قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال جبرئيل عليه‌السلام يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه.

بيان : لعل الأمر للتسوية كقوله صاحب الحسن أو ابن سيرين أو للتهديد.

٢٧ ـ أعلام الدين ، قال أبو الحسن الثالث عليه‌السلام المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان.

٢٨ ـ نهج البلاغة ، قال عليه‌السلام مرارة الدنيا حلاوة الآخرة وحلاوة الدنيا مرارة الآخرة (١).

٢٩ ـ دعائم الإسلام ، عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مر على امرأة تبكي على قبر فقال لها اصبري أيتها المرأة فقالت يا هذا الرجل اذهب إلى عملك فإنه ولدي وقرة عيني فمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وتركها ولم تكن المرأة عرفته فقيل لها إنه رسول الله فقامت تشتد حتى لحقته فقالت يا رسول الله لم أعرفك فهل لي من أجر إن صبرت قال الأجر مع الصدمة الأولى (٢).

وعن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنه قال : إياك والجزع فإنه يقطع الأمل ويضعف العمل ويورث الهم واعلم أن المخرج في أمرين ما كانت فيه حيلة فالاحتيال وما لم تكن فيه حيلة فالاصطبار (٣).

وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أنه مر على قوم من الأنصار في بيت فسلم عليهم ووقف فقال كيف أنتم قالوا مؤمنون يا رسول الله قال أفمعكم برهان ذلك قالوا

__________________

(١) نهج البلاغة تحت الرقم ٢٥١ من قسم الحكم.

(٢) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٢٢.

(٣) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٢٣.

١٤٤

نعم قال هاتوا قالوا نشكر الله في الرخاء ونصبر على البلاء ونرضى بالقضاء قال أنتم إذا أنتم (١).

٣٠ ـ مشكاة الأنوار ، عن الصادق عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ومن إذا أصابته مصيبة قال « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » ومن إذا أصاب خيرا قال « الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » ومن إذا أصاب خطيئة قال أستغفر الله وأتوب إليه (٢).

ومنه عن عمار بن مروان عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام قال سمعته يقول لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة وذلك أن الصبر على البلاء أفضل من الغفلة عند الرخاء (٣).

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : ما من عبد أعطي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وجسدا في البلاء صابرا وزوجة صالحة إلا وقد أعطي خير الدنيا والآخرة (٤).

٣١ ـ جوامع الجوامع ، عن الصادق عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا نشرت الدواوين ونصبت الموازين لم ينصب لأهل البلاء ميزان ولم ينشر لهم ديوان وتلا هذه الآية « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (٥).

٣٢ ـ الإقبال ، للسيد بن طاوس عن شيخ الطائفة عن المفيد وابن الغضائري عن الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن ابن أبي الخطاب عن ابن أبي عمير عن إسحاق بن عمار وعن الشيخ عن أحمد بن محمد بن موسى الأهوازي عن ابن عقدة عن محمد بن الحسن القطواني عن حسين بن أيوب الخثعمي عن صالح بن أبي الأسود عن عطية بن نجيح بن مطهر الرازي و

__________________

(١) دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٢٣.

(٢) مشكاة الأنوار ص ١٤٩.

(٣) مشكاة الأنوار : ٢٧٦ و ٢٩٨.

(٤) المصدر ص ٢٧٦.

(٥) الزمر : ١٠.

١٤٥

إسحاق بن عمار الصيرفي قالا معا إن أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه‌السلام كتب إلى عبد الله بن الحسن رضي الله عنه حين حمل هو وأهل بيته يعزيه عما صار إليه.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه أما بعد فلئن كنت قد تفردت أنت وأهل بيتك ممن حمل معك بما أصابكم ما انفردت بالحزن والغيظ والكآبة وأليم وجع القلب دوني فلقد نالني من ذلك من الجزع والقلق وحر المصيبة مثل ما نالك ولكن جرت إلى ما أمر الله جل جلاله به المتقين من الصبر وحسن العزاء حين يقول لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله « وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا » (١) وحين يقول « فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ » (٢) وحين يقول لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله حين مثل بحمزة : « وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ » (٣) وصبر صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعاقب وحين يقول : « وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى » (٤) وحين يقول « الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » (٥) وحين يقول « إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ » (٦) وحين يقول لقمان لابنه « وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ » (٧) وحين يقول عن موسى « قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ » (٨) وحين يقول « الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) الطور : ٤٨.

(٢) القلم : ٤٨ وما بين العلامتين ساقط من الكمباني موجود في الأصل والمصدر كما أخرجه في ج ٤٧ ص ٣٩٩ من هذه الطبعة.

(٣) النحل : ١٢٧.

(٤) طه : ١٣٢.

(٥) البقرة : ١٥٧.

(٦) الزمر : ١٠.

(٧) لقمان : ١٧.

(٨) الأعراف : ١٢٨.

١٤٦

الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ » (١) وحين يقول « ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ » (٢) وحين يقول « وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ » (٣) وحين يقول « وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ » (٤) وحين يقول « وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ » (٥) وحين يقول « وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ » (٦) وأمثال ذلك من القرآن كثير.

واعلم أي عم وابن عم أن الله جل جلاله لم يبال بضر الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحب إليه من الضر والجهد والبلاء مع الصبر وأنه تبارك وتعالى لم يبال بنعيم الدنيا لعدوه ساعة قط ولو لا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخيفونهم ويمنعونهم وأعداؤه آمنون مطمئنون عالون ظاهرون قاهرون.

ولو لا ذلك لما قتل زكريا ويحيى بن زكريا ظلما وعدوانا في بغي من البغايا ولو لا ذلك ما قتل جدك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لما قام بأمر الله جل وعز ظلما وعمك الحسين بن فاطمة صلوات الله عليهما اضطهادا وعدوانا.

ولو لا ذلك ما قال الله جل وعز في كتابه « وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ » (٧)

__________________

(١) العصر : ٣.

(٢) البلد : ١٧.

(٣) البقرة : ١٥٥.

(٤) آل عمران : ١٤٦.

(٥) الأحزاب : ٣٥.

(٦) يونس : ١٠٩.

(٧) الزخرف : ٣٣.

١٤٧

ولو لا ذلك لما قال في كتابه « أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ » (١).

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث لو لا أن يحزن المؤمن لجعلت للكافر عصابة من حديد ـ لا يصدع رأسه أبدا ولو لا ذلك لما جاء في الحديث أن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولو لا ذلك ما سقى كافرا منها شربة من ماء ولو لا ذلك لما جاء في الحديث لو أن مؤمنا على قلة جبل ـ لابتعث الله له كافرا أو منافقا يؤذيه.

ولو لا ذلك لما جاء في الحديث أنه إذا أحب الله قوما أو أحب عبدا صب عليه البلاء صبا فلا يخرج من غم إلا وقع في غم ولو لا ذلك لما جاء في الحديث ما من جرعتين أحب إلى الله عز وجل أن يجرعهما عبده المؤمن في الدنيا من جرعة غيظ كظم عليها وجرعة حزن عند مصيبة صبر عليها بحسن عزاء واحتساب.

ولو لا ذلك لما كان أصحاب رسول الله يدعون على من ظلمهم بطول العمر وصحة البدن وكثرة المال والولد ولو لا ذلك ما بلغنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا خص رجلا بالترحم عليه والاستغفار استشهد.

فعليكم يا عم وابن عم وبني عمومتي وإخوتي بالصبر والرضا والتسليم والتفويض إلى الله جل وعز والرضا والصبر على قضائه والتمسك بطاعته والنزول عند أمره أفرغ الله علينا وعليكم الصبر وختم لنا ولكم بالأجر والسعادة وأنقذكم وإيانا من كل هلكة بحوله وقوته ، إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ ، وصلى الله على صفوته من خلقه محمد النبي وأهل بيته (٢).

مسكن الفؤاد ، بالسند الأول من السندين مثله.

__________________

(١) المؤمنون : ٥٦.

(٢) كتاب اقبال الاعمال ص ٥٧٨ ـ ٥٨١ وفي ط ٤٩ ـ ٥١.

١٤٨

١٩

( باب آخر )

( في ذكر صبر الصابرين والصابرات )

١ ـ مسكن الفؤاد ، للشهيد الثاني رفع الله درجته قال أسند أبو العباس بن مسروق عن الأوزاعي قال حدثنا بعض الحكماء قال خرجت وأنا أريد الرباط حتى إذا كنت بعريش مصر إذا أنا بمظلة وفيها رجل قد ذهبت عيناه واسترسلت يداه ورجلاه وهو يقول لك الحمد سيدي ومولاي اللهم إني أحمدك حمدا يوافي محامد خلقك كفضلك على سائر خلقك إذ فضلتني على كثير ممن خلقت تفضيلا فقلت والله لأسألنه أعلمه أو ألهمه إلهاما.

فدنوت منه وسلم عليه فرد علي السلام فقلت له رحمك الله إني أسألك عن شيء أتخبرني به أم لا فقال إن كان عندي منه علم أخبرتك به فقلت رحمك الله على أي فضيلة من فضائله تشكره فقال أوليس ترى ما قد صنع بي فقلت بلى فقال والله لو أن الله تبارك وتعالى صب علي نارا تحرقني وأمر الجبال فدمرتني وأمر البحار فغرقتني وأمر الأرض فخسفت بي ما ازددت فيه سبحانه إلا حبا ولا ازددت له إلا شكرا وإن لي إليك حاجة تقضيها لي فقلت نعم قل ما تشاء فقال بني لي كان يتعاهدني أوقات صلاتي ويطعمني عند إفطاري وقد فقدته منذ أمس فانظر هل تجده لي قال فقلت في نفسي إن في قضاء حاجته لقربة إلى الله عز وجل.

فقمت وخرجت في طلبه حتى إذا صرت بين كثبان الرمال إذا أنا بسبع قد افترس الغلام يأكله فقلت « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » كيف آتي هذا العبد الصالح بخبر ابنه قال فأتيته وسلمت عليه فرد علي السلام فقلت يرحمك الله إن سألتك عن شيء تخبرني به فقال إن كان عندي منه علم أخبرتك به قال

١٤٩

قلت إنك أكرم على الله عز وجل وأقرب منزلة أو نبي الله أيوب صلوات الله وسلامه عليه فقال بل أيوب أكرم على الله تعالى مني وأعظم عند الله منزلة مني فقلت إنه ابتلاه الله تعالى فصبر حتى استوحش منه من كان يأنس به وكان غرضا لمرار الطريق واعلم أن ابنك الذي أخبرتني به وسألتني أن أطلبه لك افترسه السبع فأعظم الله أجرك فيه.

فقال الحمد لله الذي لم يجعل في قلبي حسرة من الدنيا ثم شهق شهقة وسقط على وجهه فجلست ساعة ثم حركته فإذا هو ميت فقلت « إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ » كيف أعمل في أمره ومن يعينني على غسله وكفنه وحفر قبره ودفنه فبينما أنا كذلك إذا أنا بركب يريدون الرباط فأشرت إليهم فأقبلوا نحوي حتى وقفوا علي فقالوا ما أنت وما هذا فأخبرتهم بقصتي فعقلوا رواحلهم وأعانوني حتى غسلناه بماء البحر وكفناه بأثواب كانت معهم وتقدمت فصليت عليه مع الجماعة ودفناه في مظلته وجلست عند قبره آنسا به أقرأ القرآن إلى أن مضى من الليل ساعة.

فغفوت غفوة فرأيت صاحبي في أحسن صورة وأجمل زي في روضة خضراء عليه ثياب خضر قائما يتلو القرآن فقلت له ألست بصاحبي قال بلى قلت فما الذي صيرك إلى ما أرى فقال اعلم أنني وردت مع الصابرين لله عز وجل في درجة لم ينالوها إلا بالصبر على البلاء والشكر عند الرخاء فانتبهت.

وروي في عيون المجالس عن معاوية بن قرة قال : كان أبو طلحة يحب ابنه حبا شديدا فمرض فخافت أم سليم على أبي طلحة الجزع حين قرب موت الولد فبعثته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلما خرج أبو طلحة من داره توفي الولد فسجته أم سليم بثوب وعزلته في ناحية من البيت ثم تقدمت إلى أهل بيتها وقالت لهم لا تخبروا أبا طلحة بشيء ثم إنها صنعت طعاما ثم مست شيئا من الطيب.

فجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال ما فعل ابني فقالت له هدأت

١٥٠

نفسه ثم قال هل لنا ما نأكل فقامت فقربت إليه الطعام ثم تعرضت له فوقع عليها فلما اطمأن قالت له يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا فرددناها إلى أهلها فقال سبحان الله لا فقالت ابنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى فقال أبو طلحة فأنا أحق بالصبر منك ثم قام من مكانه فاغتسل وصلى ركعتين ثم انطلق إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبره بصنيعها فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فبارك الله لكما في وقعتكما ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل.

فقيل يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان من خبرها فقال كان في بني إسرائيل امرأة وكان لها زوج ولها منه غلامان فأمرها بطعام ليدعو عليه الناس ففعلت واجتمع الناس في داره فانطلق الغلامان يلعبان فوقعا في بئر كانت في الدار فكرهت أن تنغص على زوجها الضيافة فأدخلتهما البيت وسجتهما بثوب فلما فرغوا دخل زوجها فقال أين ابناي قالت هما في البيت وإنها كانت تمسحت بشيء من الطيب وتعرضت للرجل حتى وقع عليها ثم قال أين ابناي قالت هما في البيت فناداهما أبوهما فخرجا يسعيان فقالت المرأة سبحان الله والله لقد كانا ميتين ولكن الله تعالى أحياهما ثوابا لصبري.

وقريب من هذا ما رويناه في دلائل النبوة عن أنس بن مالك قال دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض فلم نبرح حتى قضى فبسطنا عليه ثوبا وأم له عجوز كبيرة عند رأسه فقلنا لها يا هذا احتسبي مصيبتك على الله عز وجل فقالت ومات ابني قلنا نعم قالت حقا تقولون قلنا نعم قال فمدت يدها فقالت اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعينني عند كل شدة ورخاء فلا تحمل علي هذه المصيبة اليوم فكشف الثوب عن وجهه ثم ما برحنا حتى طعمنا معه.

قال قدس‌سره وهذا الدعاء من المرأة رحمها الله إدلال على الله واستيناس منه يقع للمحبين كثيرا فيقبل دعاءهم وإن كان في التذكير بنحو ذلك

١٥١

ما يظهر منه قلة الأدب لو وقع عن غيرهم ولذلك بحث طويل وشواهد من الكتاب والسنة يخرج ذكره عن مناسبة المقام.

وقال أبان بن تغلب دخلت على امرأة وقد نزل بابنها الموت فقامت إليه فغمضته وسجته ثم قالت يا بني ما الجزع فيما لا يزول وما البكاء فيما ينزل بك غدا يا بني تذوق ما ذاق أبوك وستذوقه من بعدك أمك وإن أعظم الراحة لهذا الجسد النوم والنوم أخو الموت فما عليك إن كنت نائما على فراشك أو على غيره وإن غدا السؤال والجنة أو النار فإن كنت من أهل الجنة فما ضرك الموت وإن كنت من أهل النار فما ينفعك الحياة ولو كنت أطول الناس عمرا يا بني لو لا أن الموت أشرف الأشياء لابن آدم لما أمات الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبقى عدوه إبليس.

وعن مسلم بن يسار قال قدمت البحرين فأضافتني امرأة لها بنون ورقيق ومال ويسار وكنت أراها محزونة فغبت عنها مدة طويلة ثم أتيتها فلم أر ببابها إنسا فاستأذنت عليها فإذا هي ضاحكة مسرورة فقلت لها ما شأنك قالت إنك لما غبت عنا لم نرسل شيئا في البحر إلا غرق ولا في البر شيئا إلا عطب وذهب الرقيق ومات البنون فقلت لها يرحمك الله رأيتك محزونة في ذلك اليوم ومسرورة في هذا اليوم فقالت نعم إني لما كنت فيما كنت فيه من سعة الدنيا خشيت أن يكون الله قد عجل لي حسناتي في الدنيا فلما ذهب مالي وولدي ورقيقي رجوت أن يكون الله قد ذخر لي عنده شيئا.

وعن بعضهم قال خرجت أنا وصديق لي إلى البادية فضللنا الطريق فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق فقصدنا نحوها فسلمنا فإذا بامرأة ترد علينا السلام وقالت من أنتم قلنا ضالون فأتيناكم فاستأنسنا بكم فقالت يا هؤلاء ولوا وجوهكم عني حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل ففعلنا فألقت لنا مسحا فقالت اجلسوا عليه إلى أن يأتي ابني ثم جعلت ترفع طرف الخيمة و

١٥٢

تردها إلى أن رفعته مرة فقالت أسأل الله بركة المقبل أما البعير فبعير ابني وأما الراكب فليس هو به.

قال فوقف الراكب عليها وقال يا أم عقيل عظم الله أجرك في عقيل ولدك فقالت له ويحك مات قال نعم قالت وما سبب موته قال ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر فقالت انزل واقض ذمام القوم ودفعت إليه كبشا فذبحه وأصلحه وقرب إلينا الطعام فجعلنا نأكل ونتعجب من صبرها فلما فرغنا خرجت إلينا وقالت يا قوم هل فيكم من يحسن من كتاب الله شيئا فقلت نعم قالت فاقرأ علي آيات أتعزى بها عن ولدي.

فقلت يقول الله عز وجل « وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ » قالت بالله إنها في كتاب الله هكذا قلت والله إنها لفي كتاب الله هكذا فقالت السلام عليكم ثم صفت قدميها وصلت ركعات ثم قالت اللهم إني قد فعلت ما أمرتني به فأنجز لي ما وعدتني به ولو بقي أحد لأحد قال فقلت في نفسي لبقي ابني لحاجتي إليه فقالت لبقي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لأمته.

فخرجت وأنا أقول ما رأيت أكمل منها ولا أجزل ذكرت ربها بأكمل خصاله وأجمل خلاله ثم إنها لما علمت أن الموت لا مدفع له ولا محيص عنه وإن الجزع لا يجدي نفعا والبكاء لا يرد هالكا رجعت إلى الصبر الجميل واحتسبت ابنها عند الله ذخيرة نافعة ليوم الفقر والفاقة

وروي أن يونس عليه‌السلام قال لجبرئيل عليه‌السلام دلني على أعبد أهل الأرض فدله على رجل قد قطع الجذام يديه ورجليه وذهب ببصره وسمعه وهو يقول متعتني بها ما شئت وسلبتني ما شئت وأبقيت لي فيك الأمل يا بر يا وصول.

وروي أن عيسى عليه‌السلام مر برجل أعمى أبرص مقعد مضروب الجنبين بالفالج وقد تناثر لحمه من الجذام وهو يقول الحمد لله الذي عافاني مما

١٥٣

ابتلى به كثيرا من خلقه فقال له عيسى عليه‌السلام يا هذا وأي شيء من البلاء أراه مصروفا عنك فقال يا روح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه ما جعل في قلبي من معرفته فقال له صدقت هات يدك فناوله يده فإذا هو أحسن الناس وجها وأفضلهم هيئة قد أذهب الله عنه ما كان به فصحب عيسى عليه‌السلام وتعبد معه.

وروي أنه كان في بني إسرائيل رجل فقيه عابد عالم مجتهد وكانت له امرأة وكان بها معجبا فماتت فوجد عليها وجدا شديدا حتى خلا في بيت وأغلق على نفسه واحتجب عن الناس فلم يكن يدخل عليه أحد ثم إن امرأة من بني إسرائيل سمعت به فجاءته فقالت لي إليه حاجة أستفتيه فيها ليس يجزئني إلا أن أشافهه بها فذهب الناس ولزمت الباب فأخبر فأذن لها فقالت أستفتيك في أمر قال ما هو قالت إني استعرت من جارة لي حليا فكنت ألبسه زمانا ثم إنهم أرسلوا إلي أفأرده إليهم قال نعم والله قالت إنه قد مكث عندي زمانا قال ذاك أحق بردك إياه فقالت له رحمك الله أفتأسف على ما أعارك الله عز وجل ثم أخذه منك وهو أحق به منك فأبصر ما كان فيه ونفعه الله بقولها.

: وعن أبي الدرداء قال : كان لسليمان بن داود عليه‌السلام ابن يحبه حبا شديدا فمات فحزن عليه حزنا شديدا فبعث الله عز وجل إليه ملكين في هيئة البشر فقال ما أنتما قالا خصمان قال اجلسا بمجلس الخصوم فقال أحدهما إني زرعت زرعا فأتى هذا فأفسده فقال سليمان عليه‌السلام ما يقول هذا قال أصلحك الله إنه زرع في الطريق وإني مررت فنظرت يمينا وشمالا فإذا الزرع فركبت قارعة الطريق وكان في ذلك فساد زرعه فقال سليمان ما حملك على أن تزرع في الطريق أما علمت أن الطريق سبيل الناس ولا بد للناس من أن يسلكوا سبيلهم.

فقال له أحد الملكين أوما علمت يا سليمان إن الموت سبيل الناس ولا بد للناس أن يسلكوا سبيلهم قال فكأنما كشف عن سليمان عليه‌السلام الغطاء ولم يجزع على ولده بعد ذلك رواه ابن أبي الدنيا.

١٥٤

وروي أيضا أن قاضيا كان في بني إسرائيل مات له ابن فجزع عليه وصاح فلقيه رجلان فقالا له اقض بيننا فقال من هذا فررت فقال أحدهما إن هذا مر بغنمه على زرعي فأفسده فقال الآخر إن هذا زرع بين الجبل والنهر ولم يكن لي طريق غيره فقال له القاضي أنت حين زرعت بين الجبل والنهر ألم تعلم أنه طريق الناس فقال له الرجل فأنت حين ولد لك ولد ألم تعلم أنه يموت فارجع إلى قضائك ثم عرجا وكانا ملكين.

: وروي أنه كان بمكة مقعدان كان لهما ابن شاب فكان إذا أصبح نقلهما فأتى بهما المسجد فكان يكتسب عليهما يومه فإذا كان المساء احتملهما فأقبل بهما فافتقده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فسأل عنه فقيل له مات فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لو ترك أحد لأحد ترك ابن المقعدين. انتهى ما أردنا إخراجه من كتاب مسكن الفؤاد.

١٥٥

٢٠

( باب النوادر )

١ ـ نهج البلاغة ، من كلام له عليه‌السلام بعد تلاوته « أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ ».

يا له مراما ما أبعده وزورا ما أغفله وخطرا ما أفظعه لقد استخلوا منهم أي مدكر وتناوشوهم من مكان بعيد أفبمصارع آبائهم يفخرون أم بعديد الهلكى يتكاثرون يرتجعون منهم أجسادا خوت وحركات سكنت ولأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا ولأن يهبطوا بهم جناب ذلة أحجى من أن يقوموا بهم مقام عزة.

لقد نظروا إليهم بأبصار العشوة وضربوا منهم في غمرة جهالة ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية والربوع الخالية لقالت ذهبوا في الأرض ضلالا وذهبتم في أعقابهم جهالا تطئون في هامهم وتستثبتون في أجسادهم وترتعون فيما لفظوا وتسكنون فيما خربوا وإنما الأيام بينهم وبينكم بواك ونوائح عليكم.

أولئكم سلف غايتكم وفراط مناهلكم الذين كانت لهم مقاوم العز وحلبات الفخر ملوكا وسوقا سلكوا في بطون البرزخ سبيلا سلطت الأرض عليهم فيه فأكلت من لحومهم وشربت من دمائهم فأصبحوا في فجوات قبورهم جمادا لا ينمون وضمارا لا يوجدون ـ لا يفزعهم ورود الأهوال ولا يحزنهم تنكر الأحوال ولا يحفلون بالرواجف ولا يأذنون للقواصف.

غيبا لا ينتظرون وشهودا لا يحضرون وإنما كانوا جميعا فتشتتوا وألافا فافترقوا وما عن طول عهدهم ولا بعد محلهم عميت أخبارهم وصمت ديارهم ولكنهم سقوا كأسا بدلتهم بالنطق خرسا وبالسمع صمما وبالحركات سكونا

١٥٦

فكأنهم في ارتجال الصفة صرعى سبات جيران لا يتأنسون وأحباء لا يتزاورون بليت بينهم عرى التعارف وانقطعت منهم أسباب الإخاء فكلهم وحيد وهم جميع وبجانب الهجر وهم أخلاء ـ لا يتعارفون لليل صباحا ولا لنهار مساء أي الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا.

شاهدوا من أخطار دارهم أفظع مما خافوا ورأوا من آياتها أعظم مما قدروا فكلا الغايتين مدت لهم إلى مباءة فاتت مبالغ الخوف والرجاء فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا وما عاينوا.

ولئن عميت آثارهم وانقطعت أخبارهم لقد رجعت فيهم أبصار العبر وسمعت عنهم آذان العقول وتكلموا من غير جهات النطق فقالوا كلحت الوجوه النواضر وخوت الأجساد النواعم ولبسنا أهدام البلاء [ البلى ] وتكاءدنا ضيق المضجع وتوارثنا الوحشة وتهكمت علينا الربوع الصموت فانمحت محاسن أجسادنا وتنكرت معارف صورنا وطالت في مساكن الوحشة إقامتنا ولم نجد من كرب فرجا ولا من ضيق متسعا.

فلو مثلتهم بعقلك أو كشف عنهم محجوب الغطاء لك وقد ارتسخت أسماعهم بالهوام فاستكت واكتحلت أبصارهم بالتراب فخسفت وتقطعت الألسنة في أفواههم بعد ذلاقتها وهمدت القلوب في صدرهم بعد يقظتها وعاث في كل جارحة منهم جديد بلى سمجها وسهل طرق الآفة إليها مستسلمات فلا أيد تدفع ولا قلوب تجزع لرأيت أشجان قلوب وأقذاء عيون لهم من كل فظاعة صفة حال لا تنتقل وغمرة لا تنجلي.

وكم أكلت الأرض من عزيز جسد وأنيق لون كان في الدنيا غذي ترف وربيب شرف يتعلل بالسرور في ساعة حزنه ويفزع إلى السلوة إن مصيبة نزلت به ضنا بغضارة عيشه وشحاحة بلهوه ولعبه.

فبينا هو يضحك إلى الدنيا وتضحك إليه في ظل عيش غفول إذ وطئ الدهر به حسكه ونقضت الأيام قواه ونظرت إليه الحتوف من كثب فخالطه بث

١٥٧

لا يعرفه ونجي هم ما كان يجده وتولدت فيه فترات علل آنس ما كان بصحته.

ففزع إلى ما كان عوده الأطباء من تسكين الحار بالقار وتحريك البارد بالحار فلم يطفئ ببارد إلا ثور حرارة ولا حرك بحار إلا هيج برودة ولا اعتدل بممازج لتلك الطبائع إلا أمد منها كل ذات داء حتى فتر معلله وذهل ممرضه وتعايا أهله بصفة دائه وخرسوا عن جواب السائلين عنه وتنازعوا دونه شجي خبر يكتمونه فقائل هو لما به وممن لهم إياب عافيته ومصبر لهم على فقده يذكرهم أسى الماضين من قبله.

فبينا هو كذلك على جناح من فراق الدنيا وترك الأحبة إذ عرض له عارض من غصصه فتحيرت نوافذ فطنته ويبست رطوبة لسانه فكم من مهم من جوابه عرفه فعي عن رده ودعاء مؤلم لقلبه سمعه فتصام عنه من كبير كان يعظمه أو صغير كان يرحمه وإن للموت لغمرات هي أفظع من أن تستغرق بصفة أو تعتدل على عقول أهل الدنيا (١).

بيان : قيل نزلت سورة التكاثر في اليهود قالوا نحن أكثر من بني فلان وبنو فلان أكثر من بني فلان حتى ماتوا ضلالا وقيل في فخذ من الأنصار وقيل في حيين من قريش بني عبد مناف بن قصي وبني سهم بن عمرو تكاثرا فعدوا أشرافهم فكثرهم بنو عبد مناف ثم قالوا نعد موتانا حتى زاروا القبور وقالوا هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم لأنهم كانوا أكثر عددا في الجاهلية.

وكلامه عليه‌السلام يدل على الأخير « أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ » أي شغلكم عن طاعة الله وعن ذكر الآخرة التكاثر بالأموال والأولاد والتفاخر بكثرتها « حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ » أي حتى أدرككم الموت على تلك الحال ولم تتوبوا أو حتى عددتم الأموات في القبور.

يا له مراما ما أبعد اللام للتعجب كقولهم يا للدواهي ومراما وزورا

__________________

(١) نهج البلاغة تحت الرقم ٢١٩ من قسم الخطب.

١٥٨

وخطرا منصوبات على التميز والمرام المقصد والمعنى التعجب من بعد ذلك المرام فإن الغاية المطلوبة لا يدركها الإنسان لأن كل غاية بلغها فإن فوقها غاية أخرى قد أدركها غيره فيطمح نفسه إليها أو ما أبعده عن نظر العقل وعما هو الغاية الأصلية التي لا بد من السعي في الوصول إليها وزورا ما أغفله الزور الزائرون أو مصدر لزار يزور فنسبة الغفلة إليه توسع أي ما أغفل صاحبه وهو أنسب بالمرام والخطر الإشراف على الهلاك والسبق الذي يتراهن عليه وخطر الرجل قدره ومنزلته وفظع الشيء بالضم وهو فظيع أي شديد شنيع مجاوز للحد والخطر الفظيع الموت أو شدائد الآخرة اللازمة لتلك الغفلة.

لقد استخلوا منهم أي مدكر الضمير في استخلوا للأحياء وفي منهم للأموات وكني بالمدكر عما خلفوه من الآثار التي هي محل العبرة وأي مدكر استفهام على سبيل التعجب من ذلك المدكر في حسن إفادته للعبر لأولي الأبصار واستخلوا أي اتخذوا تخلية الذكر دأبهم وشأنهم وقيل استخلوا أي وجدوه خاليا كذا ذكره ابن ميثم وقال ابن أبي الحديد استخلوا أي ذكروا من خلا من آبائهم أي من مضى يقال هذا الأمر من الأمور الخالية وهذا القرن من القرون الخالية أي الماضية واستخلا فلان في حديثه أي حدث عن أمور خالية والمعنى أنه عليه‌السلام استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا وعمن خلا من أسلافهم وآثار أسلافهم من التذكير فقال أي مذكر وواعظ في ذلك وروي أي مدكر بمعنى المصدر كالمعتقد بمعنى الاعتقاد.

وتناوشوهم أي تناولوهم من مكان بعيد عنهم وعن تناولهم فإنهم بأن يكونوا عبرا أحق من أن يكونوا مفتخرا وقال الجوهري عددته أحصيته عدا والاسم العدد والعديد.

ويرتجعون منهم أجسادا خوت يقال خوت الدار أي خلت أو سقطت أي خلت عن الروح أو سقطت وخربت والمعنى يذكرون آباءهم فكأنهم يردونهم إلى الدنيا بذكرهم والافتخار بهم أو هو استفهام على الإنكار والمفتخر محل الافتخار.

١٥٩

ولأن يهبطوا بهم جناب ذله الجناب الناحية أي يذلوا ويخشعوا بذكر مصارعهم أو يذكروهم بالموت والاندراس والذلة وأحجى بمعنى أولى وأجدر وأحق من قولهم حجي بالمكان إذا أقام وثبت والعشوة مرض في العين والضرب في الأرض السير فيها وقال الخليل في العين الضرب يقع على كل فعل والغمر الماء الكثير والغمرة الشدة ومزدحم الشيء أي صاروا بسببهم في بيداء جهالة أو ألقوا أنفسهم في شدتها ومزدحمها أو خاضوا في بحرها.

ولو استنطقوا عنهم عرصات تلك الديار الخاوية أي لو طلب الأحياء أن تنطق العرصات والربوع وتفصح عن أحوال الأموات لنطقت بلسان حالها أو مقالها بناء على شعورها وبينت أحوال الأموات استطردت بيان حال الأحياء فالضمير في استنطقوا راجع إلى الأحياء وفي عنهم إلى الأموات والعكس بعيد ويحتمل إرجاع الضمير في عنهم إلى الجميع فلا يكون بيان حال الأحياء استطرادا والديار والربوع منازلهم حال حياتهم أو قبورهم والخاوية الخالية أو الساقطة والربع الدار والمحلة والهامة الرأس والجمع هام أي تمشون على رءوسهم.

وتستثبتون أي تنصبون الأشياء الثابتة كالعمود والأساطين وفي بعض النسخ تستنبتون أي تزرعون النبات ورتعت الماشية أي أكلت ما شاءت ولفظت الشيء رميته وتسكنون فيما خربوا أي فارقوها وأخلوها فكأنهم خربوها أو لم يعمروها بالذكر والعبادة.

أولئكم سلف غايتكم السلف المتقدمون والغاية الحد الذي ينتهى إليه حسا أو معنى والمراد هنا الموت وفرط القوم من سبقهم إلى الماء والمنهل المورد وهو عين ماء ترده الإبل في المراعي وتسمى المنازل التي في المفاوز على طرق السفار مناهل لأن فيها ماء.

ومقاوم العز دعائمه جمع مقوم وأصلها الخشبة التي تمسكها الحراث وحلبات الفخر جمع حلبة وهي الخيل تجمع للسباق والسوق جمع سوقة وهو من دون

١٦٠