بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

والجواب المنع من اتحاد الدينين في الايتين ، فلا يتكرر الوسط ، ولو سلم اتحادهما فلا نسلم أن الايمان هو الاسلام ، ليكون هو الدين فيعتبر فيه الطاعات لم لايجوز أن يكون الايمان شرطا للاسلام أو جزءا منه أو بالعكس ، وشرط الشئ وجزؤه يقبل مع كونه غيره ، ولا يلزم من ذلك أن يكون الايمان هو الدين بل شرطه أو جزؤه ، على أنا لو قطعنا النظر عن جميع ذلك فالاية الكريمة إنما تدل على أن من ابتغى وطلب غير دين الاسلام دينا له ، فلن يقبل منه ذلك المطلوب ، ولم تدل على أن من صدق بما أوجبه الشارع عليه ، لكنه ترك فعل بعض الطاعات غير مستحل أنه طالب لغير دين الاسلام ، إذ ترك الفعل يجتمع مع طلبه ، لعدم المنافاة بينهما ، فإن الشخص قد يكون طالبا للطاعة مريدا لها لكنه تركها إهمالا وتقصيرا ولا يخرج بذلك عن ابتغائهما.

واستدلوا أيضا بقوله تعالى : « وما كان الله ليضيع إيمانكم » (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، واعترض عليه بأنه لم لايجوز أن يكون المراد به تصديقكم بتلك الصلاة ، سلمنا ذلك لكن لا دلالة لهم في الاية ، وذلك لانهم زعموا أن الايمان جميع الطاعات ، والصلاة إنما هي جزؤ من الطاعات ، وجزؤ الشئ لا يكون ذلك الشئ.

وأما أهل الرابع ، وهم القائلون بكونه عبارة عن جميع الواجبات وترك المحظورات ، دون النوافل ، فقد يستدل لهم بقوله تعالى : « إنما يقتبل الله من المتقين » (٢) والتقوى لايتحقق إلا بفعل المأمور به ، وترك المنهي عنه ، فلا يكون التصديق مقبولا ما لم يحصل التقوى ، وبما روي أن الزاني لايزني وهو مؤمن ، وبقوله عليه‌السلام : لا إيمان لمن لا أمانة له ، وبقوله تعالى : « ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الكافرون » (٣) وقد لايحكم بما أنزل الله أو يحكم بما لم

____________________

(١) البقرة : ١٤٣.

(٢) المائدة : ٢٧.

(٣) المائدة : ٤٧.

١٤١

ينزل الله مصدقا ، فلو تحقق الايمان بالتصديق لزم اجتماع الكفر والايمان في محل واحد ، وهو محال لتقابلهما بالعدم والملكة.

والجواب عن الاول أنه يجوز أن يكون المراد ـ والله أعلم ـ الاعمال الندبية ، على أنا نقول : إن ظاهر الاية الكريمة متروك ، فإنها تدل ظاهرا على أن من أخلص في جميع أفعاله وكان قد سبق منه معصية واحدة لم يثب عليها ويكون جميع أعمال الطاعات اللاحقة غير مقبولة ، والقول بذلك مع بعده عن حكمة الله تعالى من أفظع الفظايع ، فلا يكون مرادا بل المراد ـ والله أعلم ـ أن من عمل عملا إنما يكون مقبولا إذا كان متقيا فيه ، بأن يكون مخلصا فيه لله تعالى وحينئذ فلا دلالة لهم في الاية الكريمة مع أنا لو تنزلنا عن ذلك وقلنا بدلالتها على عدم قبول التصديق من دون التقوى ، فلا يحصل بذلك مدعا هم الذي هو كون الايمان عبارة عن جميع الواجبات ـ الخ ـ ، ولقائل أن يقول : لم لايجوز أن يكون الايمان عبارة عما ذكرتم مع التصديق بالمعارف الاصولية ، وعدم قبول الجزء إنما هو لعدم قبول الكل.

وأما الحديث الاول على تقدير تسليمه ، فيمكن حمله على المبالغة في الزجر أو تخصيصه بمن استحل ، ودليل التخصيص في أحاديث اخر أو على نفي الكمال في الايمان ، وكذا الحديث الثاني وأما الاستدلال بالاية فقد تعارض بقوله تعالى : « ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون » (١) والفاسق مؤمن على المذهب الحق ، وبين المنزلتين على غيره ، ويمكن أن يقال الفسق لاينافي الكفر إذالكافر فاسق لغة ، وإن كان في العرف يباينه ، لكنه لم يتحقق كونه عرف الشارع ، بل المعلوم كونه لاهل الشرع والاصول ، فلا تعارض حينئذ.

أقول : والحق في الجواب أن المراد ـ والله أعلم ـ ومن لم يحكم بما أنزل أي بما علم قطعا أن الله سبحانه أنزله فان العدول عنه إلى غيره مستحلا أوالوقوف عنه كذلك لاريب في كونه كفرا لانه إنكار لما علم ثبوته ضرورة ، فلا يكون

____________________

(١) المائدة : ٤٨.

١٤٢

التصديق حاصلا ، وحينئذ فلا دلالة فيها على أن من ارتكب معصية غير مستحل أو مستحلا مع كون تحريمها لم يعلم من الدين ضرورة ، يكون كافرا ، وإنما ارتكبنا هذا الاضمار في الاية لما دل عليه النص والاجماع من أن الحاكم لو أخطأ في حكمه لم يكفر ، مع أنه يصدق عليه أنه لم يحكم بما أنزل الله.

واعلم أنه قد ظهر من هذا الجواب وجه آخر للجمع بين الايتين ، ورفع التعارض بين ظاهرهما ، بأن يراد من إحداهما ماذكرناه في الجواب ، ومن الاخرى ومن لم يحكم غير مستحل مع علمه بالتحريم فهو فاسق ، والحاصل أنه يقال لهم : إن أردتم بالطاعات والتروك ما علم ثبوته من الدين ضرورة ، فنحن نقول بموجب ذلك ، لكن لايلزم منه مدعاكم ، لجواز كون الحكم بكفره إما لجحده ما علم من الدين ضرورة ، فيكون قد أخل بما هو شرط الايمان ، وهو عدم الجحد على ماقدمناه ، أو لكون المذكورات جزء الايمان على ما ذهب إليه بعضهم ، وإن أردتم الاعم فلا دلالة لكم فيها أيضا وهو ظاهر.

وأما أهل الخامس القائلون بأنه تصديق بالجنان وإقرار باللسان ، وعمل بالاركان ، فيستدل لهم بما استدل به أهل التصديق مع ما استدل به أهل الاعمال ومن أضاف الاقرار باللسان إلى الجنان ، وقد علمت تزييف ما سوى الاول وسيجئ إنشاءالله تعالى تزييف أدلة من أضاف الاقرار ، فلم يبق لمذهبهم قرار.

نعم في أحاديث أهل البيت عليهم‌السلام ما يشهد لهم ، وقد ذكر في الكافي وغيره منها جملة فمنها مارواه عن عبدالرحيم القصير قال : كتبت مع عبدالملك بن أعين إلى أبي عبدالله عليه‌السلام أسأله عن الايمان ما هو؟ إلى آخر الخبر (١) ومنها مارواه عن عجلان أبي صالح قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : أوقفني على حدود الايمان الخبر (٢) ومنها عن محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال سألته عن الايمان الخبر (٣).

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٢٧. وقدمر في ج ٦٨ ص ٢٥٦ تحت الرقم ١٥ من الباب ٢٤.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٨ وقد مر في باب دعائم الاسلام ، راجع ج ٦٨ ص ٣٣٠.

(٣) راجع الرقم ٤ من هذا الباب ص ٢٢.

١٤٣

ثم قال قدس‌سره : واعلم أن هذه الاحاديث منها ماسنده غير نقي كالاول فان في سنده عبدالرحيم وهو مجهول مع كونه مكاتبة ، وأما الثاني فان سنده وإن كان جيدا إلا أن دلالته غير صريحة فان كون المذكورات حدود الايمان لايقتضي كونها نفس حقيقته إذ حد الشئ نهايته وما لايجوز تجاوزه فان تجاوزه خرج عنه ، ونحن نقول بموجب ذلك ، فان من تجاوز هذه المكذورات بأن تركها جاحدا لاريب في خروجه عن الايمان ، لكن لعل ذلك لكونها شروطا للايمان لالكونها نفسه ، وأما الثالث فان دلالته وإن كانت جيدة إلا أن في سنده إرسالا مع كون العلا مشتركا بين المقبول والمجهول ، وبالجملة فهذه الرواية معارضة بما هو أمتن منها دلالة وقد تقدم ذلك ، فليراجع ، نعم لاريب في كونها مؤيدة لما قالوه.

وأما أهل السادس القائلون بأنه التصديق مع كلمتي الشهادة ، ففيما مر من الاحاديث مايصلح شاهدا لهم ، وكذا ماذكره الكرامية مع ماذكره أهل التصديق يصلح شاهدا لهم ، وقد عرفت ما في الاولين ، فلا نعيده.

وأما السابع فانه مذهب جماعة من المتأخرين منهم المحقق الطوسي ـ ره ـ في تجريده فانه اعتبر في حقيقة الايمان مع التصديق الاقرار باللسان ، قال : ولا يكفي الاول لقوله تعالى « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم » (١) أثبت للكفار الاستيقان النفسي ، وهو التصديق القلبي فلو كان الايمان هو التصديق القلبي فقط لزم اجتماع الكفر والايمان ، وهو باطل لتقابلهما تقابل العدم والملكة ، ولا الثاني يعني الاقرار باللسان لقوله تعالى « قالت الاعراب آمنا » الاية ولقوله تعالى : « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين » (٢) فأثبت لهم تعالى في الايتين التصديق باللسان ، ونفى عنهم الايمان.

أقول : الاستدلال على عدم الاكتفاء بالثاني مسلم موجه ، وكذا على عدم الاكتفاء بالاول أما على اعتبار الاقرار ففيه بحث ، فان الدليل أخص من المدعى

____________________

(١) النمل : ١٤.

(٢) الحجرات : ١٣ ، البقرة : ٨.

١٤٤

إذ المدعى أن الايمان لايتحقق إلا بالتصديق مع الاقرار ، وبدون ذلك يتحقق الكفر ، والاية الكريمة إنما دلت على ثبوت الكفر لمن جحد أي أنكر الايات مع علمه بحقيتها ، وبينهما واسطة ، فان من حصل له التصديق اليقيني في أول الامر ، ولم يكن تلفظ بكلمات الايمان ، لايقال إنه منكر ولا جاحد وحينئذ فلا يلزم اجتماع الكفر والايمان في مثل هذه الصورة مع أنه غير مقر ولا تارك للاقرار جحدا كما هو المفروض ، هذا إن قصد بالاية الدلالة على اعتبار الاقرار أيضا ، و إلا لكان اعتبار الاقرار دعوى مجردة ، وقد علمت ما عليه.

وأما دلالة الاية الكريمة على كفره في صورة جحده واستيقانه ، فنقول بموجبه لكن ليس لعدم إقراره فقط بل لانه ضم إنكارا إلى استيقان ، وبالجملة فهو من جملة العلامات على الحكم بالكفر ، كما جعل الاستخفاف بالشارع أو الشرع ووطئ المصحف علامة على الحكم بالكفر ، مع أنه قد يكون مصدقا كما سبقت الاشارة إليه ، نعم غاية ما يلزم أن يكون إقرار المصدق شرطا لحكمنا بايمانه ظاهرا ، و أما قبل ذلك وبعد التصديق فهو مؤمن عندالله تعالى إذا لم يكن تركه للاقرار عن جحد ، على أنه يلزمه قدس‌سره أن من حصل له التصديق بالمعارف الالهيه ثم عرض له الموت فجأة قبل الاقرار يموت كافرا ويستحق العذاب الدائم مع اعتقاده وحدة الصانع وحقية ما جاء به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا أظن أن مثل هذا المحقق يلتزم ذلك.

والحاصل أنه إن أراد رحمه‌الله أن كون الانسان مؤمنا عندالله سبحانه ، كما هو ظاهر كلامه ، لايتحقق إلا بمجموع الامرين ، فالواسطة والالتزام لازمان عليه وإن أراد أن كونه مؤمنا في ظاهر الشرع لايتحقق إلا بالامرين معا ، فالنزاع لفظي فان من اكتفى فيه بالتصديق يريد به كونه مؤمنا عندالله تعالى فقط ، وأما عندالناس فلابد في العلم بذلك من الاقرار ونحوه.

واعلم أنه استدل بعضهم على هذا المذهب أيضا بأنا نعلم بالضرورة أن الايمان في اللغة هو التصديق ، والدلائل عليه كثيرة ، فإما أن يكون في الشرع

١٤٥

كذلك أو يكون منقولا عن معناه في اللغة ، والثاني باطل لان أكثر الالفاظ تكرارا في القرآن وكلام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لفظ الايمان ، فلو كان منقولا عن معناه اللغوي لوجب أن يكون حاله كحال سائر العبادات الظاهرة في وجوب العلم به ، فلما لم يكن كذلك علمنا أنه باق على وضع اللغة.

إذا ثبت هذه فنقول : ذلك التصديق إما أن يكون هو التصديق القلبي أو اللساني ، أو مجموعهما ، والاول باطل لقوله تعالى « فلما جاءهم ماعرفوا كفروا به » (١) فأثبت لهم المعرفة مع أنه حكم بكفرهم ، ولو كان مجرد المعرفة إيمانا لما صح ذلك ، وأيضا قوله تعالى « فلما جائتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا » (٢) ولايصح أن يكون جحدهم لها بقلوبهم حيث أثبت لهم الاستيقان بها ، فلابد أن يكون بألسنتهم حيث لم يقروابها وإذا كان الجحد باللسان موجبا للكفر كان الاقرار به مع التصديق القلبي موجبا للايمان ، فيكون الاقرار من محققات الايمان ، وأيضا قوله تعالى حكاية عن موسى على نبينا وآله وعليه‌السلام إذ يقول لفرعون « لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والارض » (٣) فأثبت كونه عالما بأن الله تعالى هو الذي أنزل الايات التي جاء بها موسى عليه‌السلام فلو كان مجرد العلم هو الايمان لكان فرعون مؤمنا وهو باطل بنص القرآن العزيز ، وإجماع الانبياء عليهم‌السلام من لدن موسى عليه‌السلام إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأيضا قوله تعالى « فانهم لايكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون » (٤) ومعنى ذلك والله أعلم أنهم يجحدون ذلك بألسنتهم ولا يكذبونك بقلوبهم أي يعلمون نبوتك ، ولا يستقيم أن يكون المعنى لايكذبونك بألسنتهم لمنافاة يجحدون

____________________

(١) ألبقرة : ٨٩.

(٢) النمل : ١٤ ، وفى نسخة الكمبانى بين صدر الاية وذيلها تقديم وتأخير ، والظاهر أن النساخ نقلوا السقط من الهامش إلى المتن في غير موضعه.

(٣) اسرى : ١٠٢.

(٤) الانعام : ٣٣.

١٤٦

بألسنتهم له ، فيلزم أن يكونوا كذبوا بألسنتهم ولم يكذبوا بها ، وبطلانه ظاهر فيجب تنزيه القرآن العزيز عنه.

ولك أن تقول : لم لايجوز أن يكون المعنى لايكذبونك بألسنتهم ولكن يجحدون نبوتك بقلوبهم كما أخبرالله تعالى عن المنافقين في سورتهم حيث قالوا : « نشهد إنك لرسول الله » (١) وكذبهم الله تعالى حيث شهد سبحانه وتعالى بكذبهم فقال « والله يشهد إن المنافقين لكاذبون » والمراد في شهادتهم أي فيما تضمنته من أنها عن صميم القلب وخلوص الاعتقاد كما ذكره جماعة من المفسرين حيث لم توافق عقيدتهم فقد علم من ذلك أنهم لم يكذبوه بألسنتهم ، بل شهدوا له بها ولكنهم جحدوا ذلك بقلوبهم حيث كذبهم الله تعالى في شهادتهم. والجواب ، التكذيب لهم ورد على نفس شهادتهم التي هي باللسان ، لاعلى نفس عقيدتهم ، وبالجملة فهذا لايصلح نظيرا لما نحن فيه ، على أن معنى الجحد كما قرروه هو الانكار باللسان ، مع تصديق القلب ، وما ذكر من الاحتمال عكس هذا المعنى.

ثم قال : والثاني باطل أما أولا فبالاتفاق من الامامية وأما ثانيا فلقوله تعالى : « قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا » (٢) ولاشك أنهم كانوا صدقوا بألسنتهم ، وحيث لم يكن كافيا نفى الله تعالى عنهم الايمان مع تحصله وقوله تعالى « ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين » (٣) فأثبت لهم الاقرار والتصديق باللسان ونفى إيمانهم فثبت بذلك أن الايمان هو التصديق مع الاقرار.

ثم قال : لايقال : لو كان الاقرار باللسان جزء الايمان للزم كفر الساكت لانا نقول لو كان الايمان هو العلم أي التصديق لكان النائم غير مؤمن ، لكن لما كان النوم لايخرجه عن كونه مؤمنا بالاجماع مع كونه أولى بأن يخرج النائم عن

____________________

(١) المنافقون : ١ وهكذا ما بعده.

(٢) الحجرات : ١٣.

(٣) البقرة : ٨.

١٤٧

الايمان ، لانه لايبقى معه معنى من الايمان بخلاف الساكت فانه قدبقي معه معنى منه ، وهو العلم ، لم يكن السكوت مخرجا بطريق أولى ، نعم لو كان الخروج عن التصديق والاقرار أو عن أحدهما على جهة الانكار والجحد لخرج بذلك عن الايمان ولذلك قلنا إن الايمان هو التصديق بالقلب ، والاقرار باللسان أو ما في حكمهما انتهى محصل ماذكره.

أقول : قوله : إن النائم ينتفي عنه العلم أي التصديق غير مسلم ، وإنما المنفي شعوره بذلك العلم ، وهو غير العلم ، فالتصديق حينئذ باق لكونه من الكيفيات النفسية فلا يزيله النوم وحينئذ فلا يلزم من عدم الحكم بانتفاء الايمان عن النائم عدم الحكم بانتفائه عن الساكت بطريق أولى ، نعم الحكم بعدم انتفائه عن الساكت على مذهب من جعل الاقرار جزءا إما للزوم الحرج العظيم بدوام الاقرار في كل وقت ، أو أن يكون المراد من كون الاقرار جزءا للايمان الاقرار في الجملة ، أو في وقت ما مع البقاء عليه ، فلا ينافيه السكوت المجرد ، وإنما ينافيه مع الجحد لعدم بقاء الاقرار حينئذ.

وأقول : الذي ذكره من الدليل على عدم النقل لايدل وحده على كون الاقرار جزءا ، وهو ظاهر ، بل قصد به الدلالة على بطلان ماعدا مذهب أهل التصديق.

ثم استدل على بطلان مذهب التصديق بما ذكره من الايات الدالة على اعتبار الاقرار في الايمان ، فيكون الايمان الشرعي تخصيصا للغوي كما هو عند أهل التصديق ، وهذا جيد لكن دلالة الايات على اعتبار الاقرار ممنوعة ، وقد بينا ذلك سابقا أن تكفيرهم إنما كان لجحدهم الاقرار ، وهو أخص من عدم الاقرار ، فتكفيرهم بالجحد لايستلزم تكفيرهم بمطلق عدم الاقرار ، ليكون الاقرار معتبرا ، نعم اللازم من الايات اعتبار عدم الجحد مع التصديق ، وهو أعم من الاقرار ، واعتبار الاعم لايستلزم اعتبار الاخص وهو ظاهر.

وهذا جواب عن استدلاله بجميع الايات ، ونزيد في الجواب عن الاستدلال بقوله تعالى في الحكاية عن موسى عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام :

١٤٨

« لقد علمت ما أنزل هؤلاء » (١) الاية أنه يجوز أن يكون نسب إلى فرعون العلم على طريق الملاطفة والملاءمة ، حيث كان مأمورا عليه‌السلام بذلك بقوله « فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى » (٢) وهذا شائع في الاستعمال كما يقال في المحاورات كثيرا « وأنت خبير بأنه كذا وكذا » مع أن المخاطب بذلك قد لايكون عارفا بذلك المعنى أصلا ، بل قد لايكون هناك مخاطب أصلا كما يقع في المؤلفات كثيرا ، وعلى هذا فلا تدل الاية على ثبوت العلم لفرعون ، ولو سلم ثبوته كان الحكم بكفره للجحد ، لالعدم الاقرار مطلقا كما سبق بيانه.

واعلم أن المحقق الطوسي قدس‌سره اختار في فصوله الاكتفاء بالتصديق القلبي في تحقق الايمان ، فكأنه رحمه‌الله لحظ ماذكرناه ، وقد استدل له بعض الشارحين بقوله تعالى « اولئك كتب في قلوبهم الايمان » (٣) وبقوله تعالى « ولما يدخل الايمان في قلوبكم » (٤) فيكون حقيقة فيه ، فلواطلق على غيره لزم الاشتراك أو المجاز ، وهما خلاف الاصل ، والاقرار باللسان كاشف عنه ، والاعمال الصالحة ثمراته.

أقول : الذي ظهر مما قررناه أن الايمان هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله وحكمته ، وبالنبوة وبكل ماعلم بالضرورة مجئ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به مع الاقرار بذلك ، وعلى هذا أكثر المسلمين بل ادعى بعضهم إجماعهم على ذلك ، والتصديق بامامة الائمة الاثنى عشر عليهم‌السلام وبامام الزمان وهذا عند الامامية.

____________________

(١) أسرى : ١٠٢.

(٢) طه : ٤٤.

(٣) المجادلة : ٢٢.

(٤) الحجرات : ١٣.

١٤٩

٣١

*(باب)*

«(في عدم لبس الايمان بالظلم)»

الاية الانعام : « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون » (١).

تفسير : « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » قال الطبرسي رحمه‌الله : معناه الذين عرفوا الله تعالى وصدقوا به ، وبما أوجبه عليهم ، ولم يخلطوا ذلك بظلم ، والشرك هو الظلم ، عن ابن عباس وابن المسيب وأكثر المفسرين ، وروي عن ابي بن كعب أنه قال ألم تسمع قوله سبحانه « إن الشرك لظلم عظيم » (٢) وهو المروي عن سلمان وحذيفة ، وروي عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الاية شق على الناس وقالوا يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه فقال عليه‌السلام إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح « يا بني لاتشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم » وقال الجبائي والبلخي يدخل في الظلم كل كبيرة تحبط ثواب الطاعة ، قال البلخي ولو اختص الشرك على ما قالوه لوجب أن يكون مرتكب الكبيرة إذا كان مؤمنا كان آمنا ، وذلك خلاف القول بالارجاء ، وهذا لايلزم لانه قول بدليل الخطاب ، ومرتكب الكبيرة غير آمن ، وإن كان ذلك معلوما بدليل آخر « اولئك لهم الامن » من الله بحصول الثواب والامان من العقاب « وهم مهتدون » أي محكوم لهم بالاهتداء إلى الحق والدين ، وقيل : إلى الجنة ، ثم إنه قيل : إن هذه الاية من تمام قول إبراهيم عليه‌السلام وروي ذلك عن علي عليه‌السلام وقيل : إنها من الله على جهة فصل القضاء بين إبراهيم وقومه انتهى (٣).

____________________

(١) الانعام : ٨٢.

(٢) لقمان : ١٣.

(٣) مجمع البيان ج ٤ : ٣٢٧.

١٥٠

وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام إن الظلم هنا الشك (١) وعنه عليه‌السلام قال : آمنوا بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان (٢) ويمكن أن يقال : الامن المطلق والاهتداء الكامل لمن لم يلبس إيمانه بشئ من الظلم والمعاصي والامن من الخلود من النار والاهتداء في الجملة لمن صحت عقائده ، ثم بينهما مراتب كثيرة يختلف بحسبها الامن والاهتداء.

١ ـ ج : باسناده عن أبي جعفرعليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في خطبة الغديرقال بعد أن ذكر عليا عليه‌السلام وأوصياءه : ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عزوجل فقال : « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون » (٣).

٢ ـ ج : عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام في جواب الزنديق المدعي للتناقض في القرآن (٤) قال عليه‌السلام : وأما قوله : « فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٣٩٩.

(٢) الكافى ج ١ ص ٤١٣.

(٣) الاحتجاج ص ٣٩ ، والاية في الانعام : ٨٢.

(٤) يعنى : [ حيث قال : وأجده يقول : « ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه » ويقول : « وانى لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى » أعلم في الاية الاولى أن الاعمال الصالحة لاتكفر ، وأعلم في الثانية أن الايمان والاعمال الصالحات لاتنفع الا بعد الاهتداء ] راجع الاحتجاج ص ١٢٨

والظاهر أن هذه العبارة التي جعلناه بين المعقوفتين كان في أصل المصنف قدس‌سره ملحقا بالمتن لكنه كان مكتوبا في الهامش ، فنقلها الكتاب في غير موضعه مع اسقاط ، كما ترى شطرا من هذه العبارة في نسخة الكمبانى بعد حديث العياشى ج ١٥ ص ٢٥٧.

وقد مر الحديث في ج ٦٨ ص٢٦٤ و ٢٦٥ ، باب الفرق بين الايمان والاسلام تحت الرقم ٢٣ ولفظه هكذا : في خبر الزنديق الذى سأل أميرالمؤمنين صلوات الله عليه عما زعم من التناقض في القرآن حيث قال : أجدالله يقول : ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه ويقول : وانى لغفار لمن تاب ، فقال عليه‌السلام وأما قوله ومن يعمل من الصالحات الحديث.

١٥١

كفران لسعيه » (١) وقوله « وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى » (٢) فان ذلك كله لايغني إلا مع الاهتداء ، وليس كل من وقع عليه اسم الايمان كان حقيقا بالنجاة ، مما هلك به الغواة ، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ، ونجا سائر المقرين بالوحدانية من إبليس فمن دونه في الكفر وقد بين ذلك بقوله « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون » وبقوله « الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » (٣).

٣ ـ شى : عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قول الله « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » منه ما أحدث زرارة وأصحابه (٤).

بيان : « منه ما أحدث » أي من الظلم المذكور في الاية القول الباطل الذي أحدثه وابتدعه زرارة ، وكأنه قال بمذهب باطل ثم رجع عنه.

٤ ـ شى : عن أبي بصير قال : قلت له : إنه قد ألح علي الشيطان عند كبر سني يقنطني ، قال : قل : كذبت يا كافر يا مشرك إني اومن بربي واصلي له وأصوم واثني عليه ، ولا ألبس إيماني بظلم (٥).

٥ ـ شى : عن جابر الجعفي ، عمن حدثه قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسير له إذ رأى سوادا من بعيد فقال : هذا سواد لاعهد له بأنيس فلما دنا سلم فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أين أراد الرجل؟ قال : أراد يثرب ، قال : وما أردت بها؟ قال : أردت محمدا ، قال : فأنا محمد ، قال : والذي بعثك بالحق ما رأيت إنسانا مذسبعة أيام ، ولا

____________________

(١) الانبياء : ٩٤.

(٢) طه : ٨٢.

(٣) الاحتجاج ص ١٣٠ والاية الاخيرة في المائدة : ٤١.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٦٥.

(٥) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٦٥ ، وفى طبعة الكمبانى بعد تمام الخبر هكذا من دون فصل : [ وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى أعلم في الاية الاولى .. ] إلى آخر ما نقلناه عن الاحتجاج في الحاشية السابقة والظاهر أنه سهو وتخليط.

١٥٢

طعمت طعاما إلا ما تناول منه دابتي ، قال : فعرض عليه الاسلام فأسلم ، قال : فعضته راحلته (١) فمات ، وأمر به فغسل وكفن ، ثم صلى عليه النبي عليه وآله السلام قال : فلما وضع في اللحد قال : هذا من الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (٢).

٦ ـ شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » الزنا منه؟ قال : أعوذ بالله من اولئك لا ، ولكنه ذنب إذا تاب تاب الله عليه ، وقال : مدمن الزنا والسرقة وشارب الخمر كعابد الوثن (٣).

٧ ـ شى : عن يعقوب بن شعيب عنه في قوله « ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » قال الضلال فما فوقه (٤).

٨ ـ شى : عن أبي بصير عنه عليه‌السلام بظلم قال : بشك (٥).

٩ ـ شى : عن عبدالرحمن بن كثير الهاشمي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام في قوله « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » قال آمنوا بما جاء به محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من الولاية ولم يخلطوها بولاية فلان وفلان ، فهو اللبس بظلم ، وقال : أما الايمان فليس ينتقض كله ولكن ينتقض قليلا قليلا ، قلت : بين الضلال والكفر منزلة؟ قال : ما أكثر عرى الايمان (٦).

بيان : « أما الايمان » لعله عليه‌السلام ذكر أولا بعض أفراد الظلم ثم بين أن كل ظلم ينقض الايمان وينقصه ، لكن لايذهبه بالكلية كل ظلم ، فان بين الكفر والايمان الكامل منازل كثيرة.

١٠ ـ شى : عن أبي بصير قال : سألته عن قول الله عزوجل « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » قال : نعوذ بالله يا بابصير أن تكون ممن لبس إيمانه بظلم

____________________

(١) العض معروف ، ومنه عضاض الدابة يقال : برئت اليك من العضاض والعضيض ، اذا باع دابة وبرئ إلى مشتريها من عضها الناس.

(٢) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٦٦.

(٣ ـ ٦) المصدر ج ١ ص ٣٦٦.

١٥٣

ثم قال : اولئك الخوارج وأصحابهم (١).

١١ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي عن هارون بن خارجة ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل « الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم » قال : بشك (٢).

٣٢

*(باب)*

*«درجات الايمان وحقائقه»*

الايات آل عمران : هم درجات عندالله والله بصير بما يعملون (٣).

الانعام : نرفع درجات من نشاء وقال تعالى : ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون (٤).

يوسف : نرفع درجات من نشآء وفوق كل ذي علم عليم (٥).

أسرى : انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا (٦).

الاحقاف : ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لايظلمون (٧)

الواقعة : وكنتم أزواجا ثلثة * فأصحاب الميمنة * ما أصحاب الميمنة * و أصحاب المشئمة * ما أصحاب المشئمة * والسابقون السابقون * اولئك المقربون * في جنات النعيم * ثلة من الاولين * وقليل من الاخرين ـ إلى قوله لاصحاب اليمين : ثلة من الاولين * وثلة من الاخرين (٨).

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٦٧.

(٢) الكافى ج ٢ ص ٣٩٩ ، وقد مر الاشارة اليه.

(٣) آل عمران : ١٦٢. (٤) الانعام : ٨٣ و ١٣٢.

(٥) يوسف : ٧٦. (٦) أسرى : ٢١.

(٧) الاحقاف : ١٩. (٨) الواقعة : ٨ ـ ٣٩.

١٥٤

وقال تعالى « فأما إن كان من المقربين * فروح وريحان وجنة نعيم * وأما إن كان من أصحاب اليمين * فسلام لك من أصحاب اليمين * وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم » (١).

الحديد : لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل الاية (٢).

المجادلة : يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات (٣).

الحشر : للفقراء المهاجرين ـ إلى قوله ـ إنك رؤف رحيم (٤).

تفسير : « هم درجات عندالله » شبهوا بالدرجات لما بينهم من التفاوت في الثواب والعقاب أو هم ذو درجات « والله بصير بما يعملون » عالم بأعمالهم ودرجاتها فيجازيهم على حسبها « نرفع درجات من نشاء » أي في العلم والعمل « ولكل » أي من المكلفين « درجات » أي مراتب مما عملوا « وما ربك بغافل عما يعملون » فيخفى عليه عمل أو قدر ما يستحق به من ثواب أو عقاب ، وقرئ بالخطاب.

« نرفع درجات من نشاء » بالعلم والحكمة كما رفعنا درجة يوسف « وفوق كل ذي علم عليم » أرفع درجة منه في علمه ، واستدل به على أنه علمه سبحانه عين ذاته « كيف فضلنا » أي في الدنيا « وللاخرة أكبر درجات » أي التفاوت في الاخرة أكثر ، وفي المجمع روي أن ما بين أعلى درجات الجنة وأسفلها مثل ما بين السماء والارض (٥) وروى العياشي عن الصادق عليه‌السلام لاتقولن الجنة واحدة ، إن الله يقول « ومن دونهما جنتان » (٦) ولا تقولن درجة واحدة ، إن الله يقول « درجات بعضها فوق بعض » إنما تفاضل القوم بالاعمال (٧) وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إنما يرتفع

____________________

(١) الواقعة : ٨٨ ـ ٩٤. (٢) الحديد : ١٠.

(٣) المجادلة : ١١. (٤) الحشر : ٨ ـ ١٠.

(٥) مجمع البيان ج ٦ ص ٤٠٧ والاية في أسرى : ٢١.

(٦) الرحمن : ٦٣.

(٧) ترى ذيله في تفسير العياشى ج ١ ٣٨٨ ، وأخرجه الطبرسى في مجمع البيان ج ٩ ص ٢١٠ ، مع زيادة ، وقوله « درجات بعضها فوق بعض » اقتباس من القرآن وليس بنص.

١٥٥

العباد غدا في الدرجات ، وينالون الزلفى من ربهم على قدر عقولهم ، وفي الكافي عن الصادق عليه‌السلام أن الثواب على قدر العقل « ولكل » أي من الجن والانس « درجات مما عملوا » أي مراتب مما عملوا من الخير والشر أو من أجل ماعملوا ، قيل : والدرجات غالبة في المثوبة ، وهنا جاءت على التغليب « وليوفيهم أعمالهم » أي جزاءها « وهم لايظلمون » بنقص ثواب وزيادة عقاب.

« وكنتم أزواجا » أي أصنافا « فأصحاب الميمنة » قيل : أي اليمين ، وهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم ، أو يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، أو أصحاب اليمن والبركة على أنفسهم « ما أصحاب الميمنة » أي أي شئ هم؟ على التعجيب من حالهم « وأصحاب المشئمة » وهم الذين يعطون كتبهم بشمالهم أو يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار ، أو المشائيم على أنفسهم بما عملوا من المعصية ثم عجب سبحانه من حالهم تفخيما لشأنهم في العذاب فقال « ما أصحاب المشئمة ».

ثم بين الصنف الثالث فقال : « والسابقون السابقون » أي السابقون إلى اتباع الانبياء الذين صاروا أئمة الهدى فهم السابقون إلى جزيل الثواب عندالله أو السابقون إلى طاعة الله ، هم السابقون إلى رحمته أو الثاني تأكيد للاول ، والخبر « اولئك المقربون » أي السابقون إلى الطاعات يقربون إلى رحمة الله في أعلى المراتب وقيل في السابقين : أنهم السابقون إلى الايمان ، وقيل : إلى الهجرة ، وقيل : إلى الصلوات الخمس ، وقيل : إلى الجهاد ، وقيل : إلى التوبة وأعمال البر ، وقيل : إلى كل ما دعا الله إليه ، وهذا أولى.

وعن أبي جعفر عليه‌السلام قال : السابقون أربعة : ابن آدم المقتول ، والسابق في امة موسى وهو مؤمن آل فرعون ، والسابق في امة عيسى وهو حبيب النجار ، والسابق في امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو علي بن أبيطالب عليه‌السلام (١).

« ثلة من الاولين » أي هم ثلة أي جماعة كثيرة العدد من الامم الماضية « و

____________________

(١) مجمع البيان ج ٩ ص ٢١٥.

١٥٦

قليل من الاخرين » من امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله لان من سبق إلى إجابة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله قليل بالاضافة إلى من سبق إلى إجابة النبيين قبله ، وقيل : معناه جماعة من أوائل هذه الامة ، وقليل من أواخرهم ممن قرب حالهم من حال اولئك ، وقيل : على الوجه الاول لايخالف ذلك قوله عليه‌السلام إن امتي يكثرون سائر الامم لجواز أن يكون سابقوا سائر الامم أكثر من سابقي هذه الامة وتابعوا هذه أكثر من تابعيهم ، ولا يرده قوله تعالى في أصحاب اليمين « ثلة من الاولين وثلة من الاخرين » لان كثرة الفريقين لاينافي أكثرية أحدهما انتهى (١).

« لاصحاب اليمين » أي ماذكر جزاء لاصحاب اليمين « ثلة من الاولين و ثلة من الاخرين » أي جماعة من الامم الماضية وجماعة من مؤمني هذه الامة ، وقيل هنا أيضا : إن الثلتين من هذه الامة.

« فأما إن كان » أي المتوفى « من المقربين » أي السابقين « فروح » أي فله استراحة ، وقيل : هواء تستلذه النفس ويزيل عنها الهم « وريحان » قيل : أي رزق طيب وقيل : الريحان المشموم من ريحان الجنة يؤتى به عندالموت فيشمه ، وقيل : الروح الرحمة والريحان كل نباهة وشرف ، وقيل : روح في القبر وريحان في الجنة « و جنة نعيم » أي ذات تنعم « فسلام لك من أصحاب اليمين » قيل أي فترى فيهم ما تحب لهم من السلامة من المكارة والخوف ، وقيل : أي فسلام لك أيها الانسان الذي هو من أصحاب اليمين من عذاب الله ، وسلمت عليك ملائكة الله وقيل : معناه فسلام لك منهم في الجنة لانهم يكونون معك فقوله « لك » بمعنى عليك.

« فنزل من حميم » أي نزلهم الذي أعد لهم من الطعام والشراب حميم جهنم « وتصلية جحيم » أي إدخال نار عظيمة.

« لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا » (٢) بين سبحانه أن الانفاق قبل فتح مكة إذا انضم إليه الجهاد

____________________

(١) أنوار التنزيل : ٤٢٠.

(٢) الحديد : ١٠.

١٥٧

أكثر ثوابا عندالله من النفقة والجهاد بعد ذلك ، وذلك أن القتال قبل الفتح كان أشد ، والحاجة إلى النفقة وإلى الجهاد كان أكثر وأمس ، وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه ، والفتح فتح مكة إذ عز الاسلام به وكثر أهله وقلت الحاجة إلى المقاتلة والانفاق « من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا » أي من بعد الفتح « وكلا وعدالله الحسنى » أي كلا من المنفقين وعدالله المثوبة الحسنى وهي الجنة « والله بما تعملون خبير » عالم بظاهره وباطنه فمجازيكم على حسبه.

« يرفع الله الذين آمنوا منكم » (١) قال ابن عباس يرفع الله الذين اوتوا العلم من المؤمنين درجات على الذين لم يؤتوا العلم درجات ، وقيل : معناه لكي يرفع الله الذين آمنوا منكم بطاعتهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله درجة والذين اوتوا العلم بفضل علمهم وسابقتهم درجات في الجنة وقيل : في مجلس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« للفقراء المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم » (٢) فان كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم « يبتغون فضلا من الله ورضوانا » حال مقيدة لاخراجهم بما يوجب تفخيم شأنهم « وينصرون الله ورسوله » بأنفسهم وأموالهم « اولئك هم الصادقون » الذين ظهر صدقهم في إيمانهم « والذين تبوؤا الدار والايمان » عطف على المهاجرين ، والمراد بهم الانصار ، فانهم لزموا المدينة وتمكنوا فيهما وقيل : المعنى تبوؤا دارالهجرة ودار الايمان ، فحذف المضاف من الثاني والمضاف إليه من الاول وعوض عنه اللام ، أو تبوؤا الدار وأخلصوا الايمان « من قبلهم » أي من قبل هجرة المهاجرين ، وقيل : تقدير الكلام والذين تبوؤا الدار من قبلهم والايمان (٣) « يحبون من هاجر إليهم » ولايثقل عليهم « ولا يجدون في صدورهم » أي في أنفسهم « حاجة » أي ما يحمل عليه الحاجة كالطلب والحزازة والحسد والغيظ « مما اوتوا » أي مما اعطى المهاجرون وغيرهم « ويؤثرون على أنفسهم » أي

____________________

(١) المجادلة : ١١.

(٢) الحشر : ٨.

(٣) أنوار التنزيل : ٤٢٧.

١٥٨

يقدمون المهاجرين على أنفسهم « ولو كان بهم خصاصة » أي حاجة « ومن يوق شح نفسه » حتى يخالفها فيما يغلب عليها من حب المال وبغض الانفاق « فاولئك هم المفلحون » الفائزون بالثناء العاجل والثواب الاجل.

« والذين جاؤا من بعدهم » قيل : هم الذين هاجروا من بعد حين قوي الاسلام أو التابعون باحسان ، وهم المؤمنون بعد الفريقين إلى يوم القيامة ولذلك قيل إن الاية قد استوعبت جميع المؤمنين « يقولون ربنا اغفرلنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان » أي يدعون ويستغفرون لانفسهم ولمن سبقهم بالايمان « ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا » حقدا وغشا وعداوة « ربنا إنك رؤف رحيم » أي متعطف على العباد منعم عليهم.

وأقول : إنما أوردناها لدلالتها من جهة الترتيب الذكري على فضل المهاجرين من الصحابة على الانصار ، وفضلهما على التابعين لهم باحسان.

١ ـ كا : عن العدة عن البرقي ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمار بن أبي الاحوص عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل وضع الايمان على سبعة أسهم : على البر والصدق ، واليقين ، والرضا ، والوفاء ، والعلم ، والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس ، فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم فهو كامل محتمل ، وقسم لبعض الناس السهم ولبعض السهمين ولبعض الثلاثة حتى انتهوا إلى السبعة ، ثم قال : لاتحملوا على صاحب السهم سهمين ، ولا على صاحب السهمين ثلاثة فتبهظوهم ثم قال كذلك حتى انتهى إلى السبعة (١).

توضيح : البر الاحسان إلى نفسه وإلى غيره ، ويطلق غالبا على الاحسان بالوالدين والاقربين والاخوان من المؤمنين كما ورد « من خالص الايمان البر بالاخوان » والصدق : هو القول المطابق للواقع ، ويطلق أيضا على مطابقة العمل للقول والاعتقاد ، وعلى فعل القلب والجوارح المطابقين للقوانين الشرعية والموارين العقلية ، ومنه الصديق وهو من حصل له ملكة الصدق في جميع هذه الامور ، ولا

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤٢.

١٥٩

يصدر منه خلاف المطلوب عقلا ونقلا ، كما صرح به المحقق الطوسي ـ ره ـ في أوصاف الاشراف.

واليقين : الاعتقاد الجازم المطابق للواقع ، وفي عرف الاخبار هو مرتبة من اليقين يصير سببا لظهور آثاره على الجوارح ، ويطلق غالبا على ما يتعلق بامور الاخرة ، وبالقضاء والقدر كما ستعرف ، وله مراتب اشير إليها في القرآن العزيز وهي علم اليقين ، وعين اليقين ، وحق اليقين ، كما قال تعالى : « لو تعلمون علم اليقين * لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين » (١) وقال سبحانه : « وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين » (٢).

وقالوا : الاول مرتبة أرباب الاستدلال ، كمن لم يرالنار ، واستدل بالدخان عليه ، والثاني مرتبة أصحاب المشاهدة والعيان كمن رأى النار بعينها بعينه ، والثالث مرتبة أرباب اليقين كمن كان في وسط النار واتصف بصفاتها ، وإن لم يصر عينها كالحديدة المحماة في النار فانك تظنها نارا وليست بنار ، وهذا هي التي زلت فيها الاقدام ، وضلت العقول والاحلام ، وليس محل تحقيقها هذا المقام.

والرضا : هو اطمئنان النفس بقضاءالله تعالى عندالبلاء والرخاء ، وعدم الاعتراض عليه سبحانه قوله وفعلا في شئ من الاشياء ، والوفاء : هو العمل بعهودالله تعالى من التكاليف الشرعية وما عاهدالله تعالى عليه ، وألزم على نفسه من الطاعات ، والوفاء ببيعة النبي والائمة صلوات الله عليهم ، والوفاء بعهود الخلق ما لم تكن في معصية والعلم : هو معرفة الله ورسوله وحججه وما امر به ونهي عنه ، وعلم الشرائع والاحكام والحلال والحرام ، والاخلاق ومقدماتها ، والحلم : هو ملكة حاصلة للنفس مانعة لها عن المبادرة إلى الانتقام ، وطلب التسلط والترفع والغلبة.

« فهو كامل » أي في الايمان « محتمل » لشرائطه وأركانه قابل لها كما ينبغي « لاتحملوا على صاحب السهم سهمين » أي لما كانت القابليات والاستعدادات متفاوتة

____________________

(١) التكاثر ٥ ـ ٧.

(٢) الواقعة : ٩٤.

١٦٠