بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

ولم يكلف الله كل امرئ إلى على قدر قابليته ، فلا تحملوا في العلوم والاعمال والاخلاق على كل امرئ إلا بحسب طاقته ووسعه ، كما مر إنما يداق الله العباد في الحساب على قدر ما آتاهم من العقول في الدنيا (١) نعم للاعلى أن ينقل الادنى إلى درجته بالتعليم والتدريج والرفق حتى يصل إلى درجته إن كان قابلا لذلك كما سيأتي إنشاءالله ، وعلى الادنى أن يسعى ويتضرع إلى الله تعالى لان يوفقه للصعود إلى الدرجة العليا « فتبهضوهم » في بعض النسخ بالضاد وفي بعضها بالظاء ، وهما معجمتان متقاربان معنى ، قال : في القاموس بهضني الامر كمنع وأبهضني : أي فدحني وبالظاء أكثر ، وقال : بهضه الامر كمنع غلبه وثقل عليه وبلغ به مشقة والراحلة أوقرها فأتعبها.

٢ ـ كا : عن أبي علي الاشعرى عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن يحيى عن أحمد ابن محمد بن عيسى جميعا ، عن ابن فضال عن الحسن بن الجهم عن أبي اليقظان عن يعقوب بن الضحاك عن رجل من أصحابنا سراج وكان خادما لابي عبدالله عليه‌السلام قال : بعثني أبوعبدالله عليه‌السلام في حاجة وهو بالحيرة أنا وجماعة من مواليه قال : فانطلقنا فيها ثم رجعنا مغتمين (٢) قال : وكان فراشي في الحائر الذي كنا فيه نزولا فجئت وأنا بحال فرميت بنفسي ، فبينا أنا كذلك إذا أنا بأبي عبدالله قد أقبل قال : فقال قد أتيناك أو قال جئناك ، فاستويت جالسا وجلس على صدر فراشي فسألني عما بعثني له ، فأخبرته فحمدالله ثم جرى ذكر قوم فقلت : جعلت فداك ، إنا نبرأ منهم إنهم لايقولون ما نقول ، فقال : يتولونا ولايقولون ما تقولون تبرؤون منهم؟

____________________

(١) الكافى ج ١ ص ١١ ، كتاب العقل والجهل تحت الرقم ٧.

(٢) معتمين خ ل ، وقوله « مغتمين » اسم مفعول من باب الافعال ، وأصله وأصله من الغتم وهو شدة الحر الذى يكاد يأخذ بالنفس ، والمغتوم : الذى يجد الحر وهو جائع ، وعبارة التاج : المغتوم الذى لفحه الحر. وهذا المعنى هو المناسب لما بعده : فجئت وأنا بحال فرميت بنفسى. وأما اذا رجع وهو معتم من الدخول في العتمة ، فان وقت العتمة وقت البرد وهبوب الارياح فلا يناسب مابعده.

١٦١

قال : قلت نعم ، قال : فهو ذا عندنا ما ليس عندكم فينبغي لنا أن نبرأ منكم؟ قال : قلت : لاجعلت فداك ، قال : وهوذا عندالله ماليس عندنا؟ أفتراه أطرحنا؟ قال : قلت : لاوالله جعلت فداك ، ما نفعل ، قال : فتولوهم ولا تبرؤا منهم.

إن من المسلمين من له سهم ، ومنهم من له سهمان ، ومنهم من له ثلاثة أسهم ، ومنهم من له أربعة أسهم ، ومنهم من له خمسة أسهم ، ومنهم من له ستة أسهم ومنهم من له سبعة أسهم ، فلا ينبغي أن يحمل صاحب السهم على ماعليه صاحب السهمين ولا صاحب السهمين على ما عليه صاحب الثلاثة ، ولا صاحب الثلاثة على ما عليه صاحب الاربعة ، ولا صاحب الاربعة على ما عليه صاحب الخمسة ، ولا صاحب الخمسة على ما عليه صاحب الستة ولا صاحب الستة على ما عليه صاحب السبعة.

وسأضرب لك مثلا إن رجلا كان له جار وكان نصرانيا فدعاء إلى الاسلام وزينه له فأجابه فأتاه سحيرا فقرع عليه الباب فقال له : من هذا؟ قال : أنا فلان ، قال : وما حاجتك؟ قال : توضأ والبس ثوبيك ومر بنا إلى الضلاة ، قال : فتوضأ ولبس ثوبيه وخرج معه ، قال : فصليا ما شاءالله ، ثم صليا الفجر ، ثم مكثا حتى أصبحا فقام الذي كان نصرانيا يريد منزله ، قال : فقال له الرجل : أين تذهب؟ النهار قصير ، والذي بينك وبين الظهر قليل ، قال : فجلس معه إلى صلاة الظهر (١) ثم قال : وما بين الظهر والعصر قليل ، فاحتبسه حتى صلى العصر ، قال : ثم قام وأراد أن ينصرف إلى منزله ، فقال له : إن هذا آخر النهار ، وأقل من أوله فاحتبسه حتى صلى المغرب ثم أراد أن ينصرف إلى منزله ، فقال له : إنما بقيت صلاة واحدة قال : فمكث حتى صلى العشاء الاخرة ، ثم تفرقا.

فلما كان سحيرا غدا عليه ، فضرب عليه الباب ، فقال : من هذا؟ فقال : أنا فلان ، قال : وما حاجتك؟ قال : توضأ والبس ثوبيك واخرج بنا فصل ، قال : اطلب لهذا الدين من هو أفرغ مني وأنا إنسان مسكين وعلي عيال ، فقال :

____________________

(١) إلى أن صلى الظهر خ ل ، كما في المصدر.

١٦٢

أبوعبدالله عليه‌السلام أدخله في شئ أخرجه منه أو قال : أدخله في مثل ذه وأخرجه من مثل هذا (١).

بيان : « الحيرة » بالكسر بلد كان قرب الكوفة ، و « أنا » تأكيد للضمير المنصوب في بعثني ، وتأكيد المنصوب والمجرور ، بالمرفوع جائز « وجماعة » عطف على الضمير أو الواو بمعنى مع « معتمين » الظاهر أنه بالعين المهملة على بناء الافعال والتفعيل ، في القاموس العتمة محركة ثلث الليل الاول بعد غيبوبة الشفق ، أو وقت صلاة العشاء الاخرة وأعتم وعتم : سار فيها ، أو أورد وأصدر فيها ، وظلمة الليل ورجوع الابل من المرعى بعد ماتمسي انتهى (٢) أي رجعنا داخلين في وقت العتمة وفي أكثر النسخ بالغين المعجمة من الغم (٣) وكأنه تصحيف وربما يقرأ مغتنمين من الغنيمة وهو تحريف.

والحائر المكان المطمئن والبستان ، « وأنا بحال » أي بحال سوء من الضعف والكلال « إنهم لايقولون مانقول » أي من مراتب فضائل الائمة عليهم‌السلام وكمالاتهم ومراتب معرفة الله تعالى ، ودقائق مسائل القضاء والقدر ، وأمثال ذلك مما يختلف تكاليف العباد فيها ، بحسب أفهامهم واستعداداتهم ، لافي أصل المسائل الاصولية ، أو المراد اختلافهم في المسائل الفروعية ، والاول أظهر ، وأما حمله على أدعية الصلاة وغيرها من المستحبات كما قيل ، فهو في غاية البعد ، وإن كان يوافقه التمثيل المذكور في آخر الخبر.

« يتولونا ولايقولون » إلى آخره استفهام على الانكار « فهو ذا عندنا » أي من المعارف والعلوم والاخلاق والاعمال « ماليس عندكم ، فينبغي لنا » على الاستفهام « أطرحنا » أي عن الايمان والثواب ، أو عن درجة الاعتبار.

قوله « ما نفعل » لما فهم من كلامه عليه‌السلام نفي التبري ، تردد في أنه هل

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤٣ و ٤٤.

(٢) القاموس ج ٤ : ١٤٧.

(٣) بل من الغتم كما عرفت.

١٦٣

يلزمه التولي أو عدم ارتكاب شئ من الامرين ، فان نفي أحدهما لايستلزم ثبوت الاخر.

« أن يحمل صاحب السهم على ماعليه صاحب السهمين » أي يقاس حاله بحاله ويتوقع منه ما يتوقع من الثاني من الفهم والمعرفة والعمل « وزينه له » أي حسن الاسلام في نظره « فأتاه سحيرا » وهو تصغير وهو سدس آخر الليل أو ساعة آخر الليل ، وقيل قبيل الصبح ، والتصغير لبيان أنه كان قريبا من الصبح أو بعيدا منه « ومربنا » أي معنا « وخرج معه » أي إلى المسجد « ما شاءالله » أي كثيرا « حتى أصبحا » أي دخلا في الصباح ، والمراد الاسفار وانتشار ضوء النهار ، وظهور الحمرة في الافق قال : في المفردات الصبح والصباح أول النهار ، وهو وقت ما احمر الافق بحاجب الشمس ، قوله « وأقل من أوله » أي مما انتظرت بعد الفجر لصلاة الظهر « أدخله في شئ » أي من الاسلام صار سببا لخروجه من الاسلام رأسا أو المراد بالشئ الكفر أي أدخله بجهله في الكفر الذي أخرجه منه « أوقال : أدخله في مثل هذا » أي العمل الشديد « وأخرجه من مثل هذا » أي هذا الدين القويم.

٣ ـ كا : عن أحمد بن محمد ، عن الحسن بن موسى ، عن أحمد بن عمر ، عن يحيى بن أبان ، عن شهاب قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : لو علم الناس كيف خلق الله تبارك وتعالى هذا الخلق لم يلم أحد أحدا ، فقلت : أصلحك الله ، وكيف ذلك؟ قال : إن الله تبارك وتعالى خلق أجزاء بلغ بها تسعة وأربعين جزءا ثم جعل الاجزاء أعشارا فجعل الجزء عشرة أعشار ، ثم قسمه بين الخلق ، فجعل في رجل عشر جزء وفي آخر عشري جزء حتى بلغ به جزءا تاما وفي آخر جزءا وعشر جزء ، وفي آخر جزءا وعشري جزء ، وفي آخر جزءا وثلاثة أعشار جزء ، حتى بلغ به جزئين تامين ، ثم بحساب ذلك حتى بلغ بأرفعهم تسعة وأربعين جزءا فمن لم يجعل فيه إلا عشر جزء لم يقدر على أن يكون مثل صاحب العشرين ، وكذلك صاحب العشرين لايكون مثل صاحب الثلاثة الاعشار ، وكذلك من تم له جزء لايقدر على أن يكون مثل صاحب الجزءين ، ولو علم الناس أن الله عزوجل خلق هذا الخلق على هذا

١٦٤

لم يلم أحد أحدا (١).

بيان : « لم يلم أحد أحدا » أي في عدم فهم الدقائق ، والقصور عن بعض المعارف أو في عدم اكتساب الفضائل والاخلاق الحسنة ، وترك الاتيان بالنوافل والمستحبات وإلا فكيف يستقيم عدم الملامة على ترك الفرائض والواجبات ، وفعل الكبائر والمحرمات ، وقد مر أن الله تعالى لايكلف الناس إلا بقدر وسعهم ، وليسوا بمجبورين في فعل المعاصي ، ولا في ترك الواجبات ، لكن يمكن أن لايكون في وسع بعضهم معرفة دقائق الامور ، وغوامض الاسرار ، فلم يكلفوا بها وكذا عن تحصيل بعض مراتب الاخلاص واليقين وغيرها من المكارم ، فليسوا بملومين بتركها فالتكاليف بالنسبة إلى العباد مختلفة بحسب اختلاف قابلياتهم واستعداداتهم ولا يستحق من لم يكن قابلا لمرتبة من المراتب المذكورة أن يلام لم لاتفهم هذا المعنى ، ولم لاتفعل الصلاة كما كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يفعله مثلا وهكذا.

قوله عليه‌السلام « بلغ بها » كأنه جعل كل جزء من السهام السبعة المتقدمة سبعة. قوله عليه‌السلام « فجعل الجزء عشرة أعشار » كأن هذا للتأكيد والتوضيح ودفع توهم أن المراد جعل كل جزء عشرا من مرتبة فوقه ، فيصير المجموع أربعمائة وتسعين عشرا « حتى بلغ به » الباء للتعدية ، والضمير راجع إلى الايمان أو إلى الرجل المطلق المفهوم من « رجل » لا إلى الرجل المذكور ، ولا إلى آخر لاختلال المعنى ، وهذا أظهر ، لقوله حتى بلغ بأرفعهم « إلا عشر جزء » أي من القابلية أو قابلية عشر جزء من الايمان ، وهكذا في البواقي.

٤ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن بعض أصحابه ، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان ، عن محمد بن حماد الخزاز ، عن عبدالعزيز القراطيسي قال : قال لي أبو عبدالله عليه‌السلام : يا عبدالعزيز إن الايمان عشر درجات بمنزلة السلم ، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد : لست على شئ حتى ينتهي إلى العاشرة ، فلا تسقط من هو دونك ، فيسقطك من هو فوقك

____________________

(١) الكافى ج ٢ : ٤٤.

١٦٥

وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق ، ولاتحملن عليه مالا يطيق فتكسره ، فان من كسر مؤمنا فعليه جبره (١).

٥ ـ ل : عن ابن الوليد عن أحمد بن إدريس ، عن الاشعري ، عن أبي عبدالله الرازي ، عن أبي عثمان (٢) مثله إلا أن فيه : فلا يقولن صاحب الواحد لصاحب الاثنين ، وزاد في آخره : وكان المقداد في الثامنة ، وأبوذر في التاسعة ، وسلمان في العاشرة (٣).

بيان : « القراطيسي » بائع القراطيس « عشر درجات » كأنه عليه‌السلام عد كل تسعة وأربعين جزءا من السابق درجة أو هذه الدرجات لبعض مراتب الايمان لا لكلها ، وقيل : يجوز أن يراد بالايمان هنا التصديق ، أو الكامل المركب منه ومن العمل « يصعد » على بناء المجهول و « منه » نائب مناب الفاعل وقيل : من بمعنى في والضمير راجع إلى السلم ، والمرقاة بالفتح والكسر اسم مكان أو آلة ، وهي الدرجة وفي المصباح المرقى والمرتقى موضع الرقي والمرقاة مثله ، ويجوز فيها فتح الميم على أنه موضع الارتقاء ، ويجوز الكسر تشبيها باسم الالة كالمطهرة ، وأنكر أبوعبيد الكسر انتهى وهي منصوبة على الظرفية للمكان.

« لست على شئ » أي من الايمان أو الكمال ، والظاهر ما في الكافي وعلى ما في الخصال المعنى أنه إذا سمع ممن هو فوقه في المعرفة شيئا لايصل إليه عقله لايقدح فيه ولايكفره « فلا تسقط » أي من الايمان أومن درجة الاعتبار « من هو دونك » أي أسفل منك بدرجة أو أكثر.

« فارفعه إليك » فإن قلت : كيف يرفعه إليه مع أنه لايطيقه كما مر في الخبر السابق؟ قلت : يمكن أن تكون الدرجات المذكورة في الخبر السابق درجات القابليات والاستعدادات ، ولذا نسبها إلى أصل الخلق

____________________

(١) الكافى ج ٢ : ٤٤ و ٤٥.

(٢) هو حسن بن على بن أبى عثمان المعروف بسجادة غال ، يروى عنه أبوعبدالله الرازى وهو الحسين بن عبيدالله بن سهل في حال استقامته.

(٣) الخصال ج ٢ : ٥٩.

١٦٦

والدرجات المذكورة في هذا الخبر درجات الفعلية والتحقق ، فيمكن أن يكون رجلان في درجة واحدة من القابلية فسعى أحدهما وحصل ماكان قابلا له ، والاخر لم يسع وبقي في درجة أسفل منه ، فلو كلفه أن يفهم دفعة ما فهمه في أزمنة متطاولة يعسر الامر عليه بل يصير سببا لضلالته وحيرته ، فينبعي أن يرفق به ، ويكمله تدريجا حتى يبلغ إلى تلك الدرجة كما أن الكاتب الجيد الخط إذا كلف اميا لم يكتب قط أن يكتب مثله في يوم أو شهر أو سنة لكان تكليفا لما لايطاق ، بل يجب أن يرقيه تدريجا حتى يصل إلى مرتبته ، وكذا في المراتب العقلية من لم يحصل شيئا منها لايمكن إفهامه دفعة جميع المسائل الغامضة ، ولو ألقيت إليه لتحير ، بل لم يطق فهمها وضل عن السبيل ، والمعلم الاديب الكامل يرقيه أولا من البديهيات إلى أوائل النظريات ، ومنها إلى أوساطها ، ومنها إلى غوامضها ، فلا ينكسر ولايتحير.

ويمكن أن تحمل القدرة المذكورة في الخبر السابق على الوسع ، أي الامكان بسهولة فلا ينافي المذكور في هذا الخبر ولكن الاول أظهر ، وربما يجاب بأنه لما لم يكن معلوما لصاحب الدرجة العليا عدم قابلية صاحب الدرجة السفلى ، بل ربما يظن أنه قابل للترقي فهو مأمور بهذا رجاء لتحقق مظنونه ولايخفى مافيه.

« فتكسره » أي تكسر إيمانه وتضله ، لانه يرفع يده عما هو فيه ، ولا يصل إلى الدرجة الاخرى فيتحير في دينه ، أو يكلفه من الطاعات مالا يطيقها فيسوء ظنه بما كان يعمله ، فيتركهما جميعا كما مر في الباب السابق « فعليه جبره » أي يجب عليه جبره ، وربما لاينجبر ، ويلزمه إصلاح ما أفسد من إيمانه وربما لم يصلح.

٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن سنان عن ابن مسكان ، عن سدير قال : قال لي أبوجعفر عليه‌السلام : إن المؤمنين على منازل منهم على واحدة ، ومنهم على اثنتين ، ومنهم على ثلاث ، ومنهم على أربع ، ومنهم على خمس ، ومنهم على ست ومنهم على سبع ، فلو ذهبت تحمل على صاحب الواحدة ثنتين لم يقو ، وعلى صاحب الثنتين ثلاثا لم يقو ، وعلى صاحب الثلاث أربعا لم يقو

١٦٧

وعلى صاحب الاربع خمسا لم يقو ، وعلى صاحب الخمس ستا لم يقو ، وعلى صاحب الست سبعا لم يقو ، وعلى هذه الدرجات (١).

توضيح : المراد بالمنازل الدرجات قوله عليه‌السلام : « على هذه الدرجات » كأن المعنى وعلى هذا القياس الدرجات التي تنقسم هذه المنازل إليها ، فان كلا منها ينقسم إلى سبعين درجة كما مر في الخبر الاول ، وقيل : أي بقية الدرجات إلى العشر المذكور في الخبر الثاني ، أو المراد بالدرجات المنازل أي على هذا الوجه الذي ذكرنا تنقسم الدرجات فيكون تأكيدا والاول أظهر.

٧ ـ كا : عن محمد ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن محمد بن سنان ، عن الصباح ابن سيابة ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : ما أنتم والبراءة يبرأ بعضكم من بعض؟ إن المؤمنين بعضهم أفضل من بعض ، وبعضهم أكثر صلاة من بعض ، وبعضهم أنفذ بصيرة من بعض وهي الدرجات (٢).

٨ ـ لى : عن الهمداني ، عن علي ، عن أبيه ، عن نضر بن علي الجهضمي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدى زكاة ماله ، وخزن لسانه ، وكف غضبه واستغفر لذنبه ، وأدى النصيحة لاهل بيت رسوله ، فقد استكمل حقائق الايمان وأبواب الجنة مفتحة له (٣).

٩ ـ ل : ابن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن حماد ، عن عبدالعزيز قال : دخلت على أبي عبدالله عليه‌السلام : فذكرت له شيئا من أمر الشيعة ومن أقاويلهم فقال : يا عبدالعزيز الايمان عشر درجات بمنزلة السلم ، له عشر مراقي ، وترتقى منه مرقاة بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية : لست على شئ ، ولايقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة : لست على شئ ـ حتى انتهى إلى العاشرة ـ ثم قال :

____________________

(١) الكافى ج ٢ : ٤٥.

(٢) المصدر ج ٢ ص ٤٥.

(٣) أمالى الصدوق : ٢٠٠.

١٦٨

وكان سلمان في العاشرة وأبوذر في التاسعة والمقداد في الثامنة ، يا عبدالعزيز لاتسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، وإذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعا رفيقا فافعل ، ولاتحملن عليه مالا يطيقه فتكسره ، فانه من كسر مؤمنا فعليه جبره ، لانك إذا ذهبت تحمل الفصيل حمل البازل فسخته (١).

بيان : الفصيل ولد الناقة إذا فصل عن امه ، والبازل اسم البعير إذا طلع نابه وذلك في تاسع سنيه ، والفسخ النقض.

١٠ ـ ل : ابن إدريس ، عن أبيه ، عن الاشعري ، عن البرقي ، عن أبيه يرفعه إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : المؤمنون على سبع درجات : صاحب درجة منهم في مزيد من الله عزوجل لايخرجه ذلك المزيد من درجته إلى درجة غيره ، ومنهم شهداءالله على خلقه ، ومنهم النجباء ، ومنهم الممتحنة ، ومنهم النجداء ، ومنهم أهل الصبر ومنهم أهل التقوى ، ومنهم أهل المغفرة (٢).

١١ ـ ل : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عمار بن أبي الاحوص قال : قلت لابي عبدالله عليه‌السلام : إن عندنا أقواما يقولون بأمير المؤمنين عليه‌السلام ويفضلونه على الناس كلهم ، وليس يصفون مانصف من فضلكم أنتولاهم؟ فقال لي : نعم ، في الجملة ، أليس عندالله ما لم يكن عند رسول الله ، ولرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : [ من ] عندالله ماليس لنا ، وعندنا ماليس عندكم ، وعندكم ماليس عند غيركم؟ إن الله تبارك وتعالى وضع الاسلام على سبعة أسهم : على الصبر والصدق ، واليقين ، والرضا ، والوفاء ، والعلم ، والحلم ، ثم قسم ذلك بين الناس فمن جعل فيه هذه السبعة الاسهم ، فهو كامل الايمان محتمل ، ثم قسم لبعض الناس السهم ، ولبعض السهمين ، ولبعض الثلاثة الاسهم ، ولبعض الاربعة الاسهم ، ولبعض الخمسة الاسهم ، ولبعض الستة الاسهم ، ولبعض السبعة الاسهم.

____________________

(١) الخصال ج ٢ : ٦٠.

(٢) الخصال ج ٢ : ٧.

١٦٩

فلا تحملوا على صاحب السهم سهمين ، ولا على صاحب السهمين ثلاثة أسهم ولا على صاحب الثلاثة أربعة أسهم ، ولا على صاحب الاربعة خمسة أسهم ، ولا على صاحب الخمسة ستة أسهم ، ولا على صاحب الستة سبعة أسهم ، فتثقلوهم وتنفروهم ، ولكن ترفقوا بهم وسهلوا لهم المدخل.

وسأضرب لك مثلا تعتبر به ، إنه كان رجل مسلم وكان له جار كافر ، وكان الكافر يرفق المؤمن فأحب المؤمن للكافر الاسلام ، ولم يزل يزين له الاسلام ويحببه إلى الكافر حتى أسلم ، فغدا عليه المؤمن فاستخرجه من منزله فذهب به إلى المسجد ليصلي معه الفجر في جماعة ، فلما صلى قال له : لوقعدنا نذكرالله عزوجل حتى تطلع الشمس ، فقعد معه ، فقال : لو تعلمت القرآن إلى أن تزول الشمس وصمت اليوم كان أفضل ، فقعد معه وصام حتى صلى الظهر والعصر ، فقال : لوصبرت حتى تصلي المغرب والعشاء الاخرة كان أفضل ، فقعد معه حتى صلى المغرب والعشاء الاخرة ثم نهضا وقد بلغ مجهوده ، وحمل عليه مالا يطيق ، فلما كان من الغد غدا عليه وهو يريد به مثل ما صنع بالامس ، فدق عليه بابه ، ثم قال له : اخرج حتى نذهب إلى المسجد ، فأجاب أن انصرف عني فان هذا دين شديد لا اطيقه.

فلاتخرقوا بهم ، أما علمت أن إمارة بني امية كانت بالسيف ، والعسف والجور ، وأن إمامتنا بالرفق ، والتألف ، والوقار ، والتقية ، وحسن الخلطة والورع ، والاجتهاد ، فرغبوا الناس في دينكم وفيما أنتم فيه (١).

بيان : الخرق بالضم وبالتحريك ضد الرفق وأن لايحسن الرجل العمل والتصرف في الامور ذكره الفيروز آبادي.

١٢ ـ ل : في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : يا علي سبعة من كن فيه فقد استكمل حقيقة الايمان ، وأبواب الجنة مفتحة له ، من أسبغ وضوءه ، وأحسن صلاته ، وأدى زكاة ماله ، وكف غضبه ، وسجن لسانه ، واستغفر لذنبه ، وأدى النصيحة لاهل بيت نبيه (٢).

____________________

(١) الخصال ج ٢ : ٨.

(٢) الخصال ج ٢ : ٤ راجع الرقم ٨ في ص ١٦٨.

١٧٠

١٣ ـ شى : عن عمار بن مروان قال : سألت أبا عبدالله عليه‌السلام : عن قول الله « أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم بئس المصير » (١) فقال : « هم » الائمة والله ياعمار « درجات » للمؤمنين « عندالله » وبموالاتهم وبمعرفتهم إيانا يضاعف الله للمؤمنين حسناتهم ، ويرفع لهم الدرجات العلى ، وأما قوله يا عمار « كمن باء بسخط من الله » ـ إلى قوله ـ : « المصير » فهم والله الذين جحدوا حق علي بن أبي طالب عليه‌السلام وحق الائمة منا أهل البيت ، فباؤا لذلك بسخط من الله.

وعن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : أنه ذكر قول الله « هم درجات عندالله » قال : الدرجة مابين السماء إلى الارض (٢).

١٤ ـ شى : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : بالزيادة في الايمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عندالله ، قلت : وإن للايمان درجات ومنازل يتفاضل بها المؤمنون عندالله؟ فقال : نعم ، قلت : صف لي ذلك رحمك الله حتى أفهمه ، قال : ما فضل الله به أولياءه بعضهم على بعض ، فقال : « تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض ، منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات » (٣) الاية وقال : « ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض » (٤) وقال : « انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللاخرة أكبر جات » (٥) وقال : « هم درجات عندالله » (٦) فهذا ذكر درجات الايمان ومنازله عندالله (٧).

____________________

(١) آل عمران : ١٦٢ ومابعدها ذيلها.

(٢) تفسير العياشى ج ١ : ٢٠٥.

(٣) البقرة : ٢٥٣.

(٤) أسرى : ٥٥.

(٥) أسرى : ٢١.

(٦) آل عمران : ١٦٣.

(٧) تفسير العياشى ج ١ ص ١٣٥ ، وهى قطعة من الحديث الذى مر تحت الرقم ٦ من الباب ٣٠ ص ٢٨.

١٧١

١٥ ـ شى : عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : لانقول درجة واحدة إن الله يقول « درجات بعضها فوق بعض » إنما تفاضل القوم بالاعمال (١).

١٦ ـ شى : عن عبدالرحمن بن كثير قال : قال أبوعبدالله عليه‌السلام : يا عبدالرحمن شيعتنا والله لا يتيحهم الذنوب والخطايا ، هم صفوة الله الذين اختارهم لدينه ، وهو قول الله « ما على المحسنين من سبيل » (٢).

١٧ ـ شى : عن داود بن الحصين ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سألته ، عن قول الله : « ومن الاعراب من يؤمن بالله واليوم الاخر ويتخذ ما ينفق قربات عندالله » (٣) أيثيبهم عليه؟ قال : نعم ، وفي رواية اخرى عنه يثابون عليه؟ قال : نعم (٤).

١٨ ـ شى : عن أبي عمرو الزبيري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل سبق بين المؤمنين كما سبق بين الخيل يوم الرهان ، قلت : أخبرني عما ندب الله المؤمن من الاستباق إلى الايمان ، قال قول الله « سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله » (٥) وقال : « السابقون السابقون اولئك المقربون » وقال : « السابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه » فبدأ بالمهاجرين على درجة سبقهم ، ثم ثنى بالانصار ، ثم ثلث بالتابعين لهم باحسان ، فوضع كل قوم على درجاتهم ومنازلهم عنده (٦).

١٦ ـ شى : عن محمد بن خالد بن الحجاج الكرخي ، عن بعض أصحابه رفعه

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٨٨ ، وقد مرد في أول الباب ص ١٥٥.

(٢) تفسير العياشى ج ٢ : ١٠٥ ، والاية في براءة : ٩١.

(٣) براءة : ٩٩.

(٤) تفسير العياشى ج ١ ص ١٠٥.

(٥) قد مرت الاشارة إلى مواضيع الايات ، راجع ص ٢٨ و ٢٩ فيما سبق.

(٦) تفسير العياشى ج ٢ : ١٠٥.

١٧٢

إلى خيثمة قال : قال أبوجعفر عليه‌السلام في قول الله « خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم » وعسى من الله واجب ، وإنما نزلت في شيعتنا المؤمنين (١).

٢٠ ـ شى : عن أحمد بن محمد بن أبي نصر رفعه إلى الشيخ في قوله « خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا » قال : قوم اجترحوا ذنوبا مثل قتل حمزة وجعفر الطيار ثم تابوا ثم قال : ومن قتل مؤمنا لم يوفق للتوبة إلا أن الله لايقطع طمع العباد فيه ، ورجاءهم منه ، وقال : هو أوغيره : إن عسى من الله واجب (٢).

٢١ ـ شى : عن الحلبي ، عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم ، عن أحدهما قال : المعترف بذنبه قوم اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (٣).

٢٢ ـ شى : عن أبي بكر الحضرمي قال : قال محمد بن سعيد سل أبا عبدالله عليه‌السلام فاعرض عليه كلامي وقل له : إني أتولاكم ، وأبرأ من عدوكم ، وأقول بالقدر أقولي فيه قولك؟ (٤) قال : فعرضت كلامه على أبي عبدالله عليه‌السلام فحرك يده ثم قال : « خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم » قال : ثم قال : ما أعرفه من موالي أميرالمؤمنين ، قلت : يزعم (٥) أن سلطان هشام ليس من الله ، فقال : ويله ماله ويله أما علم أن الله جعل لادم دولة ولابليس دولة (٦).

____________________

(١) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٠٥ نفسه وفيه : في شيعتنا المذنبين ، والاية في براءة : ١٠٢.

(٢) تفسير العياشى ج ٢ ص ١٠٦.

(٣) المصدر ج ٢ : ١٠٦.

(٤) في نسخة الكمبانى وهكذا المصدر : « وقولى فيه قولك » وهو تصحيف ظاهر فانه سائل يعرض كلامه وعقيدته مستفهما عن صحته وبطلانه ، لامتحكما يحكم بأن ما يقوله هو قوله عليه‌السلام ، وقوله الراوى : « فحرك يده » معناه أن : ليس هذا قولى ، فكانه حرك يده يمينا وشمالاكما يحرك النافى يده منكرا.

(٥) في المصدر : يزعم ابن عمر ، خ.

(٦) تفسير العياشى ج ٢ : ١٠٦.

١٧٣

بيان : كأن ابن سعيد كان يقول بالتفويض ، وكان لايقول بمدخلية هداية الله تعالى وتوفيقه وخذلانه في أعمال العباد ، وهذا هو مراده بالقول بالقدر ، فلذا عده عليه‌السلام من الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، وحرك يده مترددا في قبوله ورده وقال : « ما أعرفه من موالي أميرالمؤمنين » لهذا القول ، ويحتمل أن يكون « من موالي أميرالمؤمنين » استفهاما من السائل ، فقال أبوبكر : إنه يزعم أنه ليس لله مدخل أصلا في سلطنة هشام بن عبدالملك ، وكان من خلفاء بني امية فأنكر عليه‌السلام هذا القول ، وقال : إن الله جعل لابليس دولة ، ولخذلانه تعالى وترك ألطافه بالنسبة إلى العباد ، لعدم استحقاقهم بسوء أعمالهم مدخل في ذلك كذا خطر بالبال ، والله أعلم بحقيقة المقال.

٢٣ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في قول الله « وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا » قال : اولئك قوم مذنبون ، يحدثون في إيمانهم من الذنوب التي يعيبها المؤمنون ويكرهها ، فاولئك « عسى الله أن يتوب عليهم » (١).

٢٤ ـ شى : عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلنا له : من وافقنا من علوي أو غيره توليناه ، ومن خالفنا برئنا منه من علوي أو غيره ، قال : يا زرارة قول الله أصدق من قولك ، أين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (٢).

٢٥ ـ شى : عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام « ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين » قال : هم المؤمنون من هذه الامة (٣).

٢٦ ـ كش : عن محمد بن مسعود ، عن محمد بن نصير قال : حدثني محمد بن عيسى وحمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن القاسم الصيقل رفع الحديث إلى أبي عبدالله عليه‌السلام قال : كنا جلوسا عنده ، فتذاكرنا رجلا من أصحابنا ، فقال بعضنا : ذلك ضعيف ، فقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إن كان لايقبل ممن دونكم حتى يكون مثلكم لم يقبل منكم حتى تكونوا مثلنا (٤).

____________________

(١ و ٢) تفسير العياشى ج ٢ : ١٠٦.

(٣) المصدر نفسه والاية في الحجر : ٢٤.

(٤) رجال الكشى ص ، ولم تجده.

١٧٤

٢٧ ـ ما : عن الحسين بن عبيدالله ، عن التلعكبري ، عن ابن عقدة ، عن يعقوب ابن يوسف ، عن الحصين بن مخارق ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن عليا عليه‌السلام وفد إليه رجل من أشراف العرب فقال له علي عليه‌السلام : هل في بلادك قوم قد شهروا أنفسهم بالخير لايعرفون إلا به؟ قال : نعم ، قال : فهل في بلادك قوم قد شهروا أنفسهم بالشر لايعرفون إلا به؟ قال : نعم ، قال : فهل في بلادك قم يجترحون السيئات ويكتسبون الحسنات؟ قال : نعم ، قال تلك خيار امة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله النمرقة الوسطى يرجع إليهم الغالي ، وينتهي إليهم المقصر (١).

بيان : لعل المراد بالفرقة الاولى قوم من أرباب البدع والمرائين شهروا أنفسهم بالخير ، فلذا فضل عليهم الفرقة الاخيرة ، أو المراد أن تلك أيضا من الخيار.

٢٨ ـ كنز الكراجكى : قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : الايمان في عشرة : المعرفة ، والطاعة ، والعلم ، والعمل ، والورع ، والاجتهاد ، والصبر ، واليقين والرضا ، والتسليم ، فأيها فقد صاحبه بطل نظامه.

٣٣

*(باب)*

*«(السكينة وروح الايمان وزيادته ونقصانه)»*

الايات : البقرة : قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي (٢).

الانفال : وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا (٣).

التوبة : وإذا ما انزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون * وأما الذين في قلوبهم مرض

____________________

(١) أمالى الطوسى ج ٢ : ٢٦٢.

(٢) البقرة : ٢٦٠. (٣) الانفال : ٢.

١٧٥

فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون (١).

الكهف : إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى * وربطنا على قلوبهم (٢).

الاحزاب : ولما رأى المؤمنون الاحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ومازادهم إلا إيمانا وتسليما (٣).

الفتح : هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم (٤).

المجادلة : لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان وأيدهم بروح منه (٥).

تفسير : قوله تعالى : « قال بلى ولكن ليطمئن قلبي » أقول : يدل على أن الايمان واليقين قابلان لشدة والضعف ، قال الطبرسي ره أي بلى أنا مؤمن ولكن سألت ذاك لازداد يقينا إلى يقيني ، وقيل : لاعاين ذلك وسكن قلبي إلى علم العيان بعد علم الاستدلال ، وقيل : ليطمئن قلبي بأنك قد أجبت مسألتي واتخذتني خليلا كما وعدتني (٦).

وقال في قوله تعالى : « وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا » معناه وإذا قرئ عليهم القرآن زادتهم آياته تبصرة ويقينا على يقين ، وقيل : زادتهم تصديقا مع تصديقهم بما انزل إليهم قبل ذلك ، عن ابن عباس ، والمعنى أنهم يصدقون بالاولى والثانية والثالثة وكلما يأتي من عندالله فيزداد تصديقهم (٧).

وقال القاضي : زادتهم إيمانا لزيادة المؤمن به أو لاطمينان النفس ورسوخ اليقين بتظاهر الادلة أو بالعمل بموجبها ، وهو قول من قال الايمان يزيد بالطاعة

____________________

(١) براءة : ١٢٤ و ١٢٥. (٢) الكهف : ١٣ ـ ١٤.

(٣) الاحزاب : ٢٢. (٤) الفتح : ٤.

(٥) المجادلة : ٢٢. (٦) مجمع البيان ج ٢ : ٣٧٣.

(٧) المصدر ج ٤ : ٥١٩.

١٧٦

وينقص بالمعصية ، بناء على أن العمل داخل فيه (١).

قوله تعالى « فمنهم » قال الطبرسي رحمه‌الله (٢) : أي من المنافقين « من يقول » على وجه الانكار أي يقول بعضهم لبعض « أيكم زادته هذه » السورة « إيمانا » وقيل : معناه يقول المنافقون للمؤمنين الذين في إيمانهم ضعف : أيكم زادته هذه السورة إيمانا أي يقينا وبصيرة « فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا » قال القاضي : بزيادة العلم الحاصل من تدبر السورة ، وانضمام الايمان بها وبما فيها ، إلى إيمانهم « وهم يستبشرون » بنزولها لانه سبب لزيادة كمالهم وارتفاع درجاتهم « فزادتهم رجسا إلى رجسهم » أي كفرا بها مضموما إلى كفرهم بغيرها « وماتوا وهم كافرون » أي استحكم ذلك فيهم حتى ماتوا عليه (٣).

« وزدناهم هدى » في المجمع أي بصيرة في الدين ، ورغبة في الثبات عليه بالالطاف المقوية لدواعيهم إلى الايمان « وربطنا على قلوبهم » أي شددنا عليها بالالطاف والخواطر المقوية للايمان حتى وطنوا أنفسهم على إظهار الحق ، والثبات على الدين واصبر على المشاق ومفارقة الوطن (٤).

« ولما رأى المؤمنون الاحزاب » أي ولما عاين المصدقون بالله ورسوله الجماعة الذين تحزبت على قتال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع كثرتهم « قالوا » الخ فيه قولان : أحدهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان قد أخبرهم أنه يتظاهر عليهم الاحزاب ويقاتلونهم ووعدهم الظفر بهم ، فلما رأوهم تبين لهم مصداق قوله ، وكان ذلك معجزا له « وما زادهم » مشاهدة عدوهم « إلا إيمانا » أي تصديقا بالله ورسوله ، وتسليما لامره ، والاخر أن الله وعدهم بقوله « أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا ـ إلى قوله ـ إن نصرالله قريب » ماسيكون من الشدة التي تلحقهم من

____________________

(١) أنوار التنزيل : ١٦١.

(٢) مجمع البيان ج ٥ : ٨٤ والاية في براءة : ١٢٤.

(٣) أنوار التنزيل : ١٨٢.

(٤) مجمع البيان ج ٦ : ٤٥٤ والاية في الكهف : ١٣.

١٧٧

عدوهم ، فلما رأوا الاحزاب قالوا هذه المقالة (١).

« هو الذي أنزل السكينة » هي أن يفعل الله بهم اللطف الذي يحصل لهم عنده من البصيرة بالحق ماتسكن إليه نفوسهم ، وذلك بكثرة ماينصب لهم من الادلة الدالة عليه ، فهذه النعمة التامة للمؤمنين خاصة ، وأما غيرهم فتضطرب نفوسهم لاول عارض من شبهة ترد عليهم ، إذ لايجدون برد اليقين ، وروح الطمأنينة في قلوبهم ، وقيل هي النصرة للمؤمنين لتسكن بذلك قلوبهم ، ويثبتوا في القتال ، وقيل هي ما أسكن قلوبهم من التعظيم لله ولرسوله « ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم » أي يقينا إلى يقينهم بما يرون من الفتوح وعلو كلمة الاسلام على وفق ما وعدوا ، وقيل : ليزدادوا تصديقا بشرايع الاسلام ، وهو أنهم كلما امروا بشئ من الشرائع صدقوا به ، وذلك بالكسينة التي أنزلها الله في قلوبهم عن ابن عباس والمعنى ليزدادوا معارف على المعرفة الحاصلة عندهم (٢).

« اولئك كتب في قلوبهم الايمان » أي ثبته في قلوبهم بما فعل بهم من الالطاف فصار كالمكتوب ، وقيل : كتب فغي قلوبهم علامة الايمان ، ومعنى ذلك أنها سمة لمن شاهدهم من الملائكة على أنهم مؤمنون « وأيدهم بروح منه » أي قواهم بنور الايمان ، وقيل : قواهم بنور الحجج والبرهان ، حتى اهتدوا للحق وعملوا به وقيل : قواهم بالقرآن الذي هو حياة للقلوب من الجهل ، وقيل : أيدهم بجبرئيل في كثير من المواطن ينصرهم ويدفع عنهم (٣).

أقول : سيأتي في الاخبار أن السكينة هي الايمان ، ومعنى روح الايمان.

١ ـ ب : ابن سعد ، عن الازدي ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن للقلب اذنين : روح الايمان يساره بالخير ، والشيطان يساره بالشر فأيهما ظهر على صاحبه غلبه ، قال : وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : إذا زنى الرجل أخرج الله منه روح الايمان

____________________

(١) مجمع البيان ج ٨ : ٣٤٩ والاية في الاحزاب : ٢٢.

(٢) مجمع البيان ج ٩ : ١١١ ، والاية في الفتح : ٤.

(٣) مجمع البيان ج ٩ : ٢٥٤ : والاية في المجادلة : ٢٢.

١٧٨

فقلنا الروح التي قال الله تبارك وتعالى « وأيدهم بروح منه »؟ قال : نعم ، وقال أبوعبدالله عليه‌السلام : لايزني الزاني وهو مؤمن ، ولايسرق السارق وهو مؤمن ، وإنما أعني مادام على بطنها ، فاذا توضأ وتاب كان في حال غير ذلك (١).

بيان : « فاذا توضأ » أي تطهر واغتسل.

٢ ـ فس : « ويزيدالله الذين اهتدوا هدى » رد على من زعم أن الايمان لايزيد ولاينقص (٢).

٣ ـ كا : عن العدة ، عن البرقي ، عن أبيه رفعه ، عن محمد بن داود الغنوي ، عن الاصبغ بن نباتة قال : جاء رجل إلى أميرالمؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أميرالمؤمنين إن ناسا زعموا أن العبد لايزني وهو مؤمن ، ولايسرق وهو مؤمن ، ولايشرب الخمر وهو مؤمن ولا ياكل الربوا وهو مؤمن ، ولا يسفك الدم الحرام وهو مؤمن ، فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي ، ويدعو دعائي ويناكحني واناكحه ويوارثني واوارثه ، وقد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه!

فقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : صدقت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول والدليل عليه كتاب الله : خلق الله الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول الله عزوجل في الكتاب : « أصحاب الميمنة ، وأصحاب المشأمة والسابقون » (٣) فأما ما ذكره من أمر السابقين فانهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين جعل الله فيهم خمسة أرواح : روح القدس ، وروح الايمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين ، وبها علموا الاشياء ، وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا ، وبروح القوة جاهدوا عدوهم وعالجوا معاشهم ، وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء ، وبروح البدن دبوا ودرجوا.

____________________

(١) قرب الاسناد : ١٧ ط حجر ، ص ٢٥ ط النجف.

(٢) تفسير القمى : ٤١٣ ، والاية في مريم : ٧٦.

(٣) راجع الواقعة : ٨ ـ ١٠.

١٧٩

فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم ، ثم قال : قال الله تعالى « تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس » (١) ثم قال في جماعتهم : « وأيدهم بروح منه » يقول أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم ، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.

ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم ، جعل الله فيهم أربعة أرواح : روح الايمان ، وروح القوة ، وروح الشهوة ، وروح البدن ، فلا يزال العبد يستكمل هذه الارواح الاربعة حتى يأتي عليه حالات.

فقال الرجل : يا أميرالمؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال : أما أولهن فهو كما قال الله عزوجل « ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا » (٢) فهذا ينتقص منه جميع الارواح ، وليس بالذي يخرج من دين الله ، لان الفاعل به رده إلى أرذل العمر ، فهو لايعرف للصلاة وقتا ، ولايستطيع التهجد بالليل ولابالنهار ، ولا القيام في الصف مع الناس ، فهذا نقصان من روح الايمان ، وليس يضره شيئا ، ومنهم من ينتقص منه روح القوة ولايستطيع جهاد عدوه ، ولايستطيع طلب المعيشة ، ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم لم يحن إليها ، ولم يقم ، وتبقى روح البدن فيه ، فهو يدب ويدرج ، حتى يأتيه ملك الموت فهذا بحال خير لان الله عزوجل هو الفاعل به ، وقد يأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة ، ويزين له روح الشهوة ، وتقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فاذالامسها نقص من الايمان وتفصى منه ، فليس يعود فيه حتى يتوب ، فاذا تاب تاب الله عليه ، وإن عاد أدخله الله نار جهنم.

فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عزوجل « الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم » (٣) يعرفون محمدا والولاية في التوراة والانجيل

____________________

(١) البقرة : ٢٥٣.

(٢) النحل : ٧٠.

(٣) البقرة : ١٤٦.

١٨٠