بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤١٩
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

جبل بعض المؤمنين على الايمان فلا يرتدون أبدا ، ومنهم من يعير الايمان عارية فاذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الايمان (١).

بيان : في القاموس جبلهم الله يجبل ويجبل خلقهم وعلى الشئ طبعه وجبره كأجبله (٢) « فاذا هودعا » فيه حث على الدعاء لحسن العاقبة ، وعدم الزيغ ، كما كان دأب الصالحين قبلنا ، وفيه دلالة أيضا على أن الاتمام والسل مسببان عن فعل الانسان لانه يصير بذلك مستحقا للتوفيق والخذلان.

وجملة القول في ذلك أن كل واحد من الايمان والكفر قد يكون ثابتا ، وقد يكون متزلزلا يزول بحدوث ضده ، لان القلب إذا اشتد ضياؤه وكمل صفاؤه استقر الايمان وكل ما هو حق فيه ، وإذا اشتدت ظلمته وكملت كدورته استقر الكفر وكل ماهو باطل فيه ، وإذا كان بين ذلك باختلاط الضياء والظلمة فيه ، كان مترددا بين الاقبال والادبار ، ومذبذبا بين الايمان والكفر ، فان غلب الاول دخل الايمان فيه من غير استقرار ، وإن غلب الثاني دخل الكفر فيه كذلك ، وربما يصير الغالب مغلوبا فيعود من الايمان إلى الكفر ومن الكفر إلى الايمان ، فلابد للعبد من مراعاة قلبه ، فان رآه مقبلا إلى الله عزوجل شكره ، وبذل جهده ، وطلب منه الزيادة لئلا يستدبر وينقلب و يزيغ عن الحق كما ذكر سبحانه عن قوم صالحين « ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذهديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب » (٣) وإن رآه مدبرا زائغا عن الحق تاب واستدرك مافرط فيه ، وتوكل على الله ، وتوسل إليه بالدعاء والتضرع لتدركه العناية الربانية ، فتخرجه من الظلمات إلى النور ، وإن لم يفعل ربما سلط عليه عدوه الشيطان ، واستحق من ربه الخذلان ، فيموت مسلوب الايمان كما قال سبحانه « فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم » (٤) أعاذنا الله من ذلك وسائر أهل الايمان.

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤١٩.

(٢) القاموس ج ٣ ص ٣٤٥.

(٣) آل عمران : ٨.

(٤) الصف : ٥.

٢٢١

٥ ـ كش : عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس ، عن ابن مسكان ، عن عيسى شلقان قال : قلت لابي الحسن عليه‌السلام وهو يومئذ غلام قبل أوان بلوغه : جعلت فداك ما هذا الذي يسمع من أبيك؟ إنه أمرنا بولاية أبي الخطاب ثم أمرنا بالبراءة منه؟ قال : قال أبوالحسن عليه‌السلام من تلقاء نفسه : إن الله خلق الانبياء على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء ، وخلق المؤمنين على الايمان فلايكونون إلا مؤمنين ، و استودع قوما إيمانا فان شاء أتمه وإن شاء سلبهم إياه ، وإن أبا الخطاب كان ممن أعاره الله الايمان فلما كذب على أبي سلبه الله الايمان.

قال : فعرضت هذا الكلام على أبي عبدالله عليه‌السلام قال : فقال : لو سألتنا عن ذلك ماكان ليكون عندنا غيرما قال (١).

٦ ـ ب : عن معاوية بن حكيم ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : إن جعفرا عليه‌السلام كان يقول : « فمستقر ومستودع » فالمستقر ما ثبت من الايمان ، و المستودع المعار ، وقد هداكم الله لامر جهله الناس ، فاحمدوا الله على مامن عليكم به (٢).

٧ ـ ب : عن ابن أبي الخطاب ، عن البزنطي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : إن الله عزوجل قد هداكم ونور لكم ، وقد كان أبوعبدالله عليه‌السلام يقول : إنما هو مستقر ومستودع فالمستقر الايمان الثابت ، والمستودع المعار أتستطيع أن تهدي من أضل الله (٣).

٨ ـ شى : عن أبي بصير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت : « هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع » قال : مايقول أهل بلدك الذي أنت فيه؟ قال : قلت : يقولون مستقر في الرحم ، ومستودع في الصلب ، فقال : كذبوا المستقر ما استقر الايمان في قلبه ، فلاينزع منه أبدا والمستودع الذي يستودع الايمان زمانا

____________________

(١) رجال الكشى : ٢٥١.

(٢) قرب الاسناد ط النجف ص ٢٠٣ ، والاية في الانعام : ٩٨.

(٣) المصدر : ٢٢٥.

٢٢٢

ثم يسلبه ، وقد كان الزبير منهم (١).

٩ ـ شى : عن جعفر بن مروان قال : إن الزبير اخترط سيفه يوم قبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقال : لا أغمده حتى ابايع لعلي ، ثم اخترط سيفه فضارب عليا فكان ممن اعير الايمان ، فمشى في ضوء نوره ثم سلبه الله إياه (٢).

١٠ ـ شى : عن سعيد بن أبي الاصبع قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام وهو يسأل عن مستقر ومستودع ، قال : مستقر في الرحم ومستودع في الصلب ، وقد يكون مستودع الايمان ثم ينزع منه ، ولقد مشى الزبير في ضوء الايمان ونوره حين قبض رسول الله حتى مشى بالسيف وهو يقول لانبايع إلا عليا (٣).

١١ ـ شى : عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه‌السلام « هو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع » قال : ماكان من الايمان المستقر فمستقر إلى يوم القيامة ـ أو أبدا (٤) وما كان مستودعا سلبه الله قبل الممات (٥).

١٢ ـ شى : عن صفوان قال : سألني أبوالحسن عليه‌السلام ومحمد بن خلف جالس فقال لي : مات يحيى بن القاسم الحذاء؟ فقلت له : نعم ، ومات زرعة ، فقال : كان جعفر عليه‌السلام يقول : « فمستقر ومستودع » فمستقر : قوم يعطون الايمان ، ويستقر في قلوبهم ، والمستودع : قوم يعطون الايمان ثم يسلبونه (٦).

١٣ ـ شى : عن أبي الحسن الاول قال : سألته عن قولالله « فمستقر ومستودع » قال : المستقر الايمان الثابت ، والمستودع المعار (٧).

١٤ ـ شى : عن أحمد بن محمد قال : وقف علي أبوالحسن الثاني عليه‌السلام في بني زريق فقال لي وهو رافع صوته : يا أحمد! قلت : لبيك ، قال : إنه لما قبض

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٧١.

(٢ ـ ٣) المصدر ج ١ ص ٣٧١.

(٤) الترديد من الراوى.

(٥ ـ ٦) العياشى ج ١ ص ٣٧١.

(٧) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٧٢.

٢٢٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جهد الناس على إطفاء نورالله فأبى الله إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين عليه‌السلام فلما توفي أبوالحسن عليه‌السلام جهد علي بن أبي حمزة وأصحابه على إطفاء نورالله فأبى الله إلا أن يتم نوره وإن أهل الحق إذا دخل فيهم داخل سروابه ، و إذا خرج منهم خارج لم يجزعوا عليه ، وذلك أنهم على يقين من أمرهم وإن أهل الباطل إذا دخل فيهم داخل سروا به ، وإذا خرج عنهم خارج جزعوا عليه ، وذلك أنهم على شك من أمرهم ، إن الله يقول : « فمستقر ومستودع » قال : ثم قال أبوعبدالله عليه‌السلام : المستقر الثابت ، والمستودع المعار (١).

كش : عن حمدويه ، عن الحسن بن موسى ، عن داود بن محمد ، عن أحمد مثله (٢).

١٥ ـ شى : عن محمد بن مسلم قال : سمعته يقول : إن الله خلق خلقا للايمان لازوال له ، وخلق خلقا للكفر لازوال له ، وخلق خلقا بين ذلك فاستودع بعضهم الايمان ، فان شاء أن يتمه لهم أتمه ، وإن شاء أن يسلبهم إياه سلبهم (٣).

١٦ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن ابن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبي أيوب ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليه‌السلام مثله وزاد في آخره : وكان فلان منهم معارا (٤).

بيان : « خلق خلقا للايمان » قيل : اللام لام العاقبة أي خلق خلقا عاقبتهم الايمان في العلم الازلي لازوال لايمانهم ، وهم الانبياء والاوصياء والتابعون لهم من المؤمنين الثابتين على الايمان ، وخلق خلقا عاقبتهم الكفر في علمه عزوجل ، و خلق خلقا مترددين بين الايمان والكفر مستضعفين في علمه فمن آمن منهم كان إيمانه مستودعا ، فان يشأ الله أن يتمه لهم لحسن استعدادهم وإقبالهم إلى الله عزوجل أتمه

____________________

(١) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٧٢.

(٢) رجال الكشى ص ٣٧٧.

(٣) تفسير العياشى ج ١ ص ٣٧٢.

(٤) الكافى ج ٢ ص ٤١٧.

٢٢٤

بفضله وتوفيقه ، وجعله ثابتا مستقرا فيهم ، وإن يشأ أن يسلبهم إياه لزوال استعدادهم الفطري وفساد استعدادهم الكسبي ، سلبهم ورفع عنهم توفيقهم ، ويفهم بالمقايسة حال من كفر منهم.

وأقول : من علم أنهم يموتون على الايمان كان ينبغي أن يدخلهم في القسم الاول على هذا الوجه ، ومن علم أنهم يموتون على الكفر في القسم الثاني بل الاحسن أن يقال لما علم الله سبحانه استعداداتهم وقابلياتهم ، ومايؤل إليه أمرهم ومراتب إيمانهم وكفرهم ، فمن علم أنهم يكونون راسخين في الايمان كاملين فيه وخلقهم فكأنه خلقهم للايمان الكامل الراسخ وكذا الكفر ، ومن علم أنهم يكونون متزلزلين مترددين بين الايمان والكفر فكأنه خلقهم كذلك ، فهم مستعدون لايمان ضعيف ، فمنهم من يختم له بالايمان ، ومنهم من يختم له بالكفر فهم المعارون.

والظاهر أن المراد بفلان أبوالخطاب وكنى عنه بفلان لمصلحة ، فان أصحابه كانوا جماعة كثيرة كان يحتمل ترتب مفسدة على التصريح باسمه ، ويحتمل أن يكون كناية عن ابن عباس فانه قد انحرف عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز ، ووقع بينه عليه‌السلام وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده كما مر والتقية فيه أظهر لكن سيأتي التصريح بأبي الخطاب في خبر شلقان (١) وعلى التقديرين « منهم » خبر كان وضمير الجمع للخلق بين ذلك و « معارا » خبر بعد خبر وقيل : فلان كناية عن عثمان والضمير للخلفاء الثلاثة ، والظرف حال عن فلان ومعارا خبر كان ، ولايخفى بعده لفظا ومعنى ، فان الثلاثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط.

١٧ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب والقاسم بن محمد الجوهري ، عن كليب بن معاوية الاسدي ، عن

____________________

(١) يعنى مامر تحت الرقم ٣ مع شرحه فان خبر عيسى شلقان في الكافى باب علامة المعار تحت الرقم ٣ ، وهذا الخبر تحت الرقم ١ ، وأما التصريح باسم أبى الخطاب فقد عرفت أنه في غير واحد من الاحاديث كمامر عن الكشى تحت الرقم ٥.

٢٢٥

أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن العبد يصبح مؤمنا ويمسي كافرا ، ويصبح كافرا ويمسي مؤمنا ، وقوم يعارون الايمان ثم يسلبونه ، ويسمون المعارين ، ثم قال : فلان منهم (١).

بيان : « ثم يسلبونه » يدل على أن السلب متعد إلى مفعولين (٢) بخلاف مايظهر من كتب اللغة ويومئ إليه أيضا تمثيلهم لبدل الاشتمال بقولهم سلب زيد ثوبه إذلو كان متعديا إلى مفعولين لما احتاج إلى البدلية لكن لاعبرة بقولهم بعد وروده في كلام أفصح الفصحاء.

١٨ ـ كا : عن علي ، عن أبيه ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : إن الله خلق النبيين على النبوة فلا يكونون إلا أنبياء ، وخلق المؤمنين على الايمان فلا يكونون إلا مؤمنين وأعار قوما إيمانا فان شاء تممه لهم ، وإن شاء سلبهم إياه ، وقال : وفيهم جرت « فمستقر ومستودع » وقال لي : إن فلانا كان مستودعا إيمانه ، فلما كذب علينا سلب

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤١٧.

(٢) بل الظاهر من مفهومه وهو الانتزاع والاختلاس قهرا احتياجه إلى مفعول واحد وهو المسلوب لكنه لما كان المسلوب مما يتعلق بالغير ، بحيث لو لم يكن عنده وفى يده لم يتحقق مفهوم السلب وهو الاخذ والانتزاع قهرا بعد المدافعة لزم في الكلام ذكر المسلوب عنه بصورة المفعول ثم ذكر المسلوب عنه بعنوان البدل ، كما يقال : سلب فلانا ثوبه اذا أخذه قهرا وسلبا ، ومنه قولهم : سلبه فؤاده وعقله ، وقوله تعالى : « وان يسلبهم الذباب شيئا لايستنقذوه منه » فلو قيل : سلب ثوب فلان ونحوه انتفى معنى القهر من السالب والمدافعة من المسلوب عنه وصار مرادفا لقولهم أخذ أو سرق.

وأما قوله عليه‌السلام « يسلبونه » فضمير الجمع هو المفعول وهو المبدل منه رفع بنيابة الفاعل ، والضمير المفرد الراجع إلى الايمان ليس الابدل الاشتمال من المفعول سد مسده ، يترا آى في الظاهر أنه المفعول الثانى ولوصح الاستناد في ذلك إلى قوله عليه‌السلام « يسلبونه » لكان الاولى الاستناد إلى قوله تعالى « وان يسلبهم الذباب شيئا ».

٢٢٦

إيمانه ذلك (١).

بيان : قال تعالى : « وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع » قال البيضاوي : أي فلكم استقرار في الاصلاب أو فوق الارض واستيداع في الارحام أو تحت الارض أو موضع الاستقرار والاستيداع ، وقرء ابن كثير والبصريان (٢) بكسر القاف على أنه اسم فاعل والمستودع [ اسم ] مفعول أي ومنكم قار ومنكم مستودع لان الاستقرار منا دون الاستيداع انتهى « ٣ » ولعل تأويله عليه‌السلام أنسب بالقراءة الاخيرة أي فمنكم إيمانه مستقر أي ثابت و بعضكم إيمانه مستودع ، أو بعضكم مستقر في الايمان ، وبعضكم غير مستقر و « مستودع » اسم مفعول أو اسم مكان ، وعلى القراءة الاولى اسم مكان أي بعضكم محل استقرار الايمان ، والمستودع يحتمل الوجهين ، قوله « سلب إيمانه » يحتمل بناء المفعول والفاعل ، وعلى الثاني « ذلك » إشارة إلى الكذب.

١٩ ـ نهج : من خطبة له عليه‌السلام فمن الايمان مايكون ثابتا مستقرا في القلوب ومنه مايكون عواري بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم ، فاذا كانت لكم براءة من أحد فقفوه حتى يحضره الموت ، فعند ذلك يقع حد البراءة ، والهجرة قائمة على حدها الاول ما كان لله في أهل الارض حاجة من مستسر الامة ومعلنها لا يقع اسم الهجرة على أحد إلا بمعرفة الحجة في الارض ، فمن عرفها وأقربها فهو مهاجر ، ولا يقع اسم الاستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ، ووعاها قلبه إن أمرنا صعب مستصعب لايحتمله إلا عبد امتحن الله قلبه للايمان ، ولاتعي حديثنا إلا صدور أمينة ، وأحلام رزينة.

أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلانا بطرق السماء أعلم مني بطرق الارض ، قبل أن تشغر فتنة تطأ في خطامها وتذهب بأحلام قومها (٤).

بيان : العواري جمع العارية بالتشديد فيهما كأنها منسوبة إلى العار ، فان

____________________

(١) الكافى ج ٢ ص ٤١٨.

(٢) هما أبوعمرو بن العلاء ، ويعقوب كما مر ص ١٠٦.

(٣) انوار التنزيل ص ١٣٧.

(٤) نهج البلاغة ج ١ ص ٣٨٦ ص ٣٨٦. تحت الرقم ١٨٧.

٢٢٧

ظلبها عار وعيب ، قال ابن ميثم رحمه‌الله : قوله عليه‌السلام فمن الايمان إلى آخره قسمة للايمان إلى قسمين أحدهما الثابت المستقر في القلوب الذي صار ملكة ، وثانيهما ماكان في معرض الغير والانتقال ، واستعار عليه‌السلام لفظ العواري لكونه في معرض الاسترجاع والرد ، وكنى عليه‌السلام بكونه بين القلوب والصدور عن كونه غير مستقر في القلوب ولامتمكن من جواهر النفوس (١).

وقال ابن أبي الحديد : أراد عليه‌السلام : من الايمان مايكون على سبيل الاخلاص ومنه مايكون على سبيل النفاق (٢) وقوله عليه‌السلام « إلى أجل معلوم » ترشيح لاستعارة العواري وهذه القسمة إلى القسمين هي الموجودة في نسخة الرضي رضي‌الله‌عنه بخطه وفي نسخ كثير من الشارحين ونسخ كثيرة معتبرة ثلاثة أقسام هكذا فمن الايمان مايكون ثابتا مستقرا في القلوب ، ومنه مايكون عواري [ في القلوب ، ومنه مايكون عواري ] (٣) بين القلوب والصدور إلى أجل معلوم.

وقال ابن أبي الحديد في بيانها : إن الايمان إما أن يكون ثابتا مستقرا بالبرهان وهو الايمان الحقيقي ، أوليس بثابت بالبرهان بل بالدليل الجدلي ككثير ممن لم يحقق العلوم العقلية وهو الذي عبر عليه‌السلام عنه بقوله عواري في القلوب فهو وإن كان في القلب الذي هو محل الايمان الحقيقي إلا أن حكمه حكم العارية في البيت وإما أن يستند إلى تقليد وحسن ظن بالاسلاف وقد جعله عليه‌السلام عواري بين القلوب والصدور ، لانه دون الثاني فلم يجعله حالا في القلب ، ورد قوله عليه‌السلام إلى أجل معلوم إلى القسمين الاخيرين لان من لم يبلغ درجة البرهان ربما ينحط إلى درجة المقلد ، فيكون إيمان كل منهما إلى أجل معلوم ، لكونه في معرض الزوال.

« فاذا كانت لكم براءة » الخ قيل : أي إذا أردتم التبري من أحد فاجعلوه موقوفا إلى حال الموت ، ولاتسارعوا إلى البراءة منه قبل الموت ، لانه يجوز أن يتوب ويرجع ، فاذا مات ولم يتب جازت البراءة منه ، لانه ليس له بعد الموت حالة

____________________

(١) شرح النهج لابن ميثم : ٤٤١.

(٢) شرح النهج لابن أبى الحديد ج ٣ ص ٢١٥. (٣) ساقط من نسخة الكمبانى.

٢٢٨

تنتظر ، وينبغي أن تحمل هذه البراءة على البراءة المطلقة ، لجواز التبري من الفاسق وهو حي ، ومن الكافر وهو حي ، لكن بشرط الاتصاف بأحد الوصفين ، بخلاف مابعد الموت.

وقيل : المعنى انتظروا حتى يأتيه الموت فانه ربما يكون معتقدا للحق ويكتم إيمانه لغرض دنيوي ، وقيل : هذا إشارة إلى ما كان يفعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في الصلاة على المنافقين ، فاذا كبر أربعا كانوا يعلمون أنه منافق ، وإذا كبر خمسا كانوا يعلمون أنه مؤمن ، فأشار عليه‌السلام إلى أنه عند الموت تقع البراءة وتصح بعلامة تكبيراته الاربع ، وكلا الوجهين كما ترى.

والظاهر أن المراد بالبراءة قطع العلائق الايمانية التي يجوز معها الاستغفار كما يومئ إليه قوله سبحانه « ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا اولي قربى » إلى قوله تعالى « فلما تبين له أنه عدولله تبرأ منه » (١).

« والهجرة قائمة » الخ وأصل الهجرة المأمور بها الخروج من دار الحرب إلى دارالاسلام ، وقال في النهاية : فيه لاهجرة بعد الفتح ولكن جهادونية ، وفي حديث آخر لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، الهجرة في الاصل اسم من الهجر ضد الوصل ، وقد هجره هجرا وهجرانا ، ثم غلب على الخروج من أرض إلى أرض وترك الاولى للثانية ، يقال منه هاجر مهاجرة.

والهجرة هجرتان إحداهما التي وعدالله عليها الجنة في قوله « إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة » (٢) فكان الرجل يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويدع أهله وماله لايرجع في شئ منه ، وينقطع بنفسه إلى مهاجره ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكره أن يموت الرجل بالارض التي هاجر منها ، فمن ثم قال « لكن البائس سعد بن خولة » يرثي له أن مات بمكة (٣) وقال حين قدم مكة « اللهم لا

____________________

(١) براءة : ١١٤.

(٢) براءة : ١١١.

(٣) أى يترقق ويشفق عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن مات سعد بن خولة بمكة

٢٢٩

تجعل منايانا بها » فلما فتحت مكة صارت دار إسلام كالمدينة ، وانقطعت الهجرة.

والهجرة الثانية من هاجر من الاعراب وغزا مع المسلمين ، ولم يفعل كما فعل أصحاب الهجرة الاولى ، فهو مهاجر ، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة ، وهو المراد بقوله « لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة » فهذا وجه الجمع بين الحديثين ، وإذا اطلق في الحديث ذكر الهجرتين فانما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة انتهى.

وقال ابن أبي الحديد : هذا كلام من أسرار الوصية يختص به علي عليه‌السلام لان الناس يروون أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال « لاهجرة بعد الفتح » فشفع عمه العباس في نعيم بن مسعود الاشجعي أن يستثنيه فاستثناه ، وهذه الهجرة التي أشار إليها أميرالمؤمنين عليه‌السلام ليست تلك بل هي الهجرة إلى الامام ، وقال بعض الاصحاب : تجب المهاجرة عن بلد الشرك على من يضعف عن إظهار شعائر الاسلام مع المكنة ويستحب للقادر على إظهارها ، تحرزا عن تكثير سواد المشركين ، والمراد بها الامور التي تختص بالاسلام كالاذان والاقامة ، وصوم شهر رمضان ، وغير ذلك وألحق بعضهم ببلاد الشرك بلاد الخلاف التي لايتمكن فيها المؤمن من إقامة شعائر الايمان مع الامكان. ولو تعذرت الهجرة لمرض أوعدم نفقة أو غير ذلك فلا حرج لقوله تعالى « إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا فاولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله غفورا رحيما » (١).

والظاهر أن قوله عليه‌السلام « ما كان لله في أهل الارض حاجة » كناية عن بقاء التكليف كما يدل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لاتنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة وللتجوز مجال واسع وفي الصحيفة السجادية : « ولا ترسلني من يدك إرسال من لاخير فيه ، ولا حاجة بك إليه » وقيل كلمة ماهيهنا نافية ووجوه بتوجيهات

____________________

في حجة الوداع حين قال : لكن البائس سعد بن خولة قدمات في الارض التى هاجر منها راجع ترجمته في الاستيعاب بذيل الاصابة ج ٢ ص ٤١.

(١) النساء ٩٧.

٢٣٠

ركيكة ، والسر ما يكتم واستسر أي استتر واختفى ، فالمختفي حينئذ كمن لايختفي بل يعلن نفسه لانه لايخاف ولايتقي لدينه أو غيره ، وقيل أي ممن أسر دينه أو أظهره وأعلنه ، « ومن » لبيان الجنس ، وقيل : زائدة ، ولو حذفت لجر المستسر بدلا من أهل الارض.

« لاتقع اسم الهجرة » الخ أي يشترط في صدق الهجرة معرفة الامام والاقرار به ، والمراد بقوله « فمن عرفها » الخ أنه مهاجر بشرط الخروج إلى الامام ، والسفر إليه ، أو المراد بالمعرفة المعرفة المستندة إلى المشاهدة والعيان ويحتمل أن يكون المراد أن مجرد معرفة الامام والاقرار بوجوب اتباعه كاف في إطلاق اسم الهجرة كما هو ظاهر الجزء الاخير من الكلام ، ويدل عليه بعض أخبارنا ، فمعرفة الامام والاقرار به في زمانه قائم مقام الهجرة المطلوبة في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقال بعض الاصحاب : الهجرة في زمان الغيبة سكنى الامصار لانها تقابل البادية مسكن الاعراب ، والامصار أقرب إلى تحصيل الكمالات من القرى والبوادي فان الغالب على أهلها الجفاء والغلظة ، والبعد عن العلوم والكمالات كما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أن الجفاء والقسوة في الفدادين (١) وقيل هي الخروج إلى طلب العلوم فيعم الخروج عن القرى والبوادي ، والخروج عن بلد لايمكن فيه طلب العلم.

« ولايقع اسم الاستضعاف » الخ الاستضعاف عد الشئ ضعيفا أو وجدانه ضعيفا واستضعفه أي طلب ضعفه ، والحجة الدليل والبرهان ، ويعبر به عن الامام لانه دليل الحق ، والمراد به هنا إما دليل الحق من اصول الدين أو الاعم أو الامام بتقدير مضاف أي حجة الحجة.

قال القطب الراوندي رحمه‌الله : يمكن أن يشير بهذا الكلام إلى إحدى آيتين إحداهما « إن الذين توفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا

____________________

(١) الفدادون : الجمالون ، والرعيان ، والبقارون ، والحمارون ، والفلاحون وأصحاب الوبر : والذين تعلو اصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، والمكثرون من الابل.

٢٣١

كنا مستضعفين في الارض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها اولئك مأويهم جهنم وساءت مصيرا » (١) فيكون مراده عليه‌السلام على هذا أنه لايصدق اسم الاستضعاف على من عرف الامام وبلغته أحكامه ، ووعاها قلبه ، وإن بقي في ولده وأهله لم يتجشم السفر إلى الامام ، كما صدق على هؤلاء المذكورين في الاية والثانية قوله تعالى بعد ذلك : « إلا المستضعين من الرجال والنساء » الاية فيكون مراده على هذا أن من عرف الامام ، وسمع مقالته ، ووعاها قلبه ، لايصدق عليه اسم الاستضعاف كما صدق على هؤلاء ، إذ كان المفروض على الموجودين في عصر الرسول المهاجرة بالابدان دون من بعدهم ، بل يقنع منهم بمعرفته والعمل بقوله بدون المهاجرة إليه بالبدن.

وقال ابن ميثم رحمه‌الله بعد حكاية كلامه : وأقول : يحتمل أن يريد بقوله ذلك أنه لاعذر لمن بلغته دعوة الحجة فسمعتها اذنه ، في تأخيره عن النهوض والمهاجرة إليه ، مع قدرته على ذلك ولا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما يصدق على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان حتى يكون ذلك عذرا له ، بل يكون في تأخره ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالوا كنا مستضعفين في الارض ويكون مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين ، فان اسم الاستضعاف صادق عليهم انتهى (٢).

وأقول : سيأتي شرح هذا الكلام في أخبار كثيرة وأن المراد به أن المستضعف المعذور في معرفة الامام في زمان الهدنة في الجملة ، إنما هو إذا لم تبلغه الحجة واختلاف الناس فيه ، أو بلغه ولم يكن له عقل يتميز به بين الحق والباطل ، كما سنذكر تفصيله إن شاءالله تعالى.

« إن أمرنا صعب مستصعب » الصعب العسر والابي الذي لاينقاد بسهولة ضد الذلول واستصعب الامر أي صار صعبا ، واستصعبت الامر أي وجدته صعبا

____________________

(١) النساء : ٩٧ وما بعدها ذيلها : ٩٨.

(٢) شرح النهج لابن ميثم : ٤٤١.

٢٣٢

وحملته واحتملته ، بمعنى وحملته بالتشديد فاحتمله ، والامتحان الاختبار وامتحن الله قلبه أي شرحه ووسعه.

قال ابن أبي الحديد قال الله تعالى : « اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » (١) يقال : امتحن فلان لامر كذا ، أي جرب للنهوض به ، فهو قوي على احتمال مشاقه ويجوز أن يكون بمعنى المعرفة لان تحقيقك الشئ إنما يكون باختباره فوضع موضعها فيتعلق اللام بمحذوف ، أي كائنة له ، وهي اللام التي في قولك « أنت لهذا الامر » أي مختص به ويكون مع معمولها منصوبة على الحال ، ويجوز أن يكون المعنى ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن لاجل التقوى أي ليثبت ويظهر تقواها ويعلم أنهم متقون ، لان التقوى لايعلم إلا عندالبصر على المحن والشدائد أو أخلص قلوبهم للتقوى أي أذابه وصفاه. ووعيت الحديث أي حفظته وفهمته والغرض حفظ الحديث عن الاذاعة ، وضبط الاسرار عن إفضائها إلى غير أهلها أو الاذعان الكامل به ، وعدم التزلزل عند العجز عن المعرفة التفصيلية به ، فيكون كالتفسير لما قبله ، والحلم بالكسر الاناة والعقل ، والرزانة : الوقار.

وحاصل الكلام أن شأنهم وماهم عليه من الكمال ، والقدرة على خوارق العادات صعب لايحصل لغيرهم ، مستصعب الفهم على الخلق ، أوفهم علومهم وإدراك أسرارهم مشكل يستصعبه أكثر الخلق ، فلا يقبله حق القبول بحيث لايخرج إلى طرف الافراط بالغلو أو التفريط بعدم التصديق ، أو القول بعدم الحق لسوء الفهم إلا قلب عبد شرحه الله وصفاه للايمان ، فيحمل كلما يأتون به على وجهه ، إذا وجد له محملا ، ويصدق إجمالا بكل ما عجز عن معرفته تفصيلا ويرد علمه إليهم عليهم‌السلام.

والمراد بطرق السماء الطرق التي يصعد منها الملائكة ويرفع فيها أعمال العباد ، أو منازل سكان السماوات ومراتبهم ، أو الامور المستقبلة وما خفي على الناس مما لا يعلم إلا بتعليم رباني فان مجاري نزولها في السماء ، أو أحكام الدين وقواعد الشريعة

____________________

(١) الحجرات : ٣.

٢٣٣

وعلى ما يقابل كل واحد منها يحمل طرق الارض.

وشغر البلد كمنع إذا خلا من حافظ يمنعه ، وبلدة شاغرة برجلها لم تمنع عن غارة أحد ، وشغرت المرأة رفعت رجلها للنكاح ، وشغرتها فعلت بها ذلك يتعدى ولايتعدى ، وشغر الكلب إذا رفع أحد رجليه ليبول ، وقيل : الضغر البعد والاتساع ، وقيل : كني بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنة عن مدبر يردها ويحفظ الامور وينظم الدين ، ويحتمل أن يكون كناية عن شمولها للبلاد والعباد من الشغر بمعنى الاتساع ، أو من شغر الكلب ، أو من شغرة المرأة كناية عن تكشفها وعدم مبالاتها بظهور عيوبها وإبداء سوءتها ، والوطئ الدوس بالرجل ، والخطم بالفتح من الدابة مقدم أنفها ، وككتاب ما يوضع في أنف البعير ليقتادبه ، والوطئ في الخطام كناية عن فقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط ، وتفسد ما تمر عليه بقوائمها.

« وتذهب بأحلام قومها » أي تفسد عقول أهلها فكانت أفعالهم على خلاف ما يقتضيه العقل ، فالمراد بأهلها المفسدون ، أو يتحير أهل زمانها فلا يهتدون إلى طريق التخلص عنها ، فأهلها من أصابته البلية ، أو يأتي أهل ذلك الزمان إليها رغبة ورهبة ولايتفحصون عن كونها فتنة لغفلتهم عن وجه الحق فيها.

٢٣٤

٣٥

*(باب)*

«(العلة التى من أجلها لايكف الله المؤمنين عن الذنب)»

١ ـ جا : عن ابن قولويه ، عن سعد ، عن ابن سعد ، عن الاهوازي ، عن محمد بن عمير ، عن الحارث بن بهرام ، عن عمرو بن جميع قال : قال لي أبوعبدالله عليه‌السلام من جاءنا يلتمس الفقه والقرآن والتفسير فدعوه ، ومن جاءنا يبدي عورة قد سترها الله فنحوه ، فقال له رجل من القوم : جعلت فداك أذكر حالي لك؟ قال : إن شئت ، قال : والله إني لمقيم على ذنب منذ دهر اريد أن أتحول منه إلى غيره فما أقدر عليه ، قال له : إن تكن صادقا فان الله يحبك وما يمنعك من الانتقال عنه إلا أن تخافه (١).

٢ ـ كا : عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن على بن أسباط عن رجل من أصحابنا من أهل خراسان من ولد إبراهيم بن يسار رفعه عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن الله علم؟؟ الذنب خير للمؤمن من العجب (٢) ولولا ذلك ما ابتلى مؤمن بذنب أبدا (٣).

أقول : سيأتي شرحه ومثله في باب العجب إن شاءالله.

____________________

(١) أمالى المفيد ص ١٤.

(٢) العجب أن يستعظم الرجل نفسه بما يكون منه من الخيرات والعبادات ، فيعد نفسه صالحة مطيعة حق الاطاعة فيبتهج بأعماله ويدل بها كانه يمن على الله باطاعته. وهذا مفسد للعمل.

(٣) الكافى ج ٢ : ١٣٣.

٢٣٥

٣٦

*(باب)*

*«الحب في الله والبغض في الله»*

١ ـ م ، ع ، ن (١) لى : المفسر بإسناده إلى أبي محمد العسكري ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لبعض أصحابه ذات يوم : يا عبدالله أحببت في الله ، وأبغض في الله ، ووال في الله ، وعاد في الله ، فانه لاتنال ولاية الله إلا بذلك ، ولايجد رجل طعم الايمان ، وإن كثرت صلاته وصيامه حتى يكون كذلك ، وقد صارت مواخاة الناس يومكم هذا أكثرها في الدنيا عليها يتوادون ، وعليها يتباغضون وذلك لايغني عنهم من الله شيئا ، فقال له : وكيف لي أن أعلم أني قد واليت وعاديت في الله عزوجل؟ ومن ولي الله عزوجل حتى او اليه ، ومن عدوه حتى اعاديه فأشار له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى علي عليه‌السلام فقال : أترى هذا؟ فقال : بلى ، قال : ولي هذا ولي الله ، فواله ، وعدو هذا عدوالله فعاده ، وال ولي هذا ولو أنه قاتل أبيك وولدك ، وعاد عدو هذا ولو أنه أبوك وولدك (٢).

أقول : قد مر كثير من أخبار الباب في باب صفات المؤمن ، وباب صفات خيار العباد ، وباب جوامع المكارم ، وفي أبواب كتاب الحجة.

٢ ـ ثو (٣) لى : عن أبيه ، عن سعد ، عن ابن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الاعرج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : إن من أوثق عرى الايمان أن تحب في الله ، وتبغض في الله ، وتعطي في الله ، وتمنع في الله عزوجل (٤).

____________________

(١) علل الشرائع ج ١ ص ١٣٤ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٢٩١.

(٢) أمالى الصدوق ص ٨.

(٣) ثواب الاعمال ص ١٥٢ والافعال بصيغة الغائب.

(٤) أمالى الصدوق ص ٣٤٥ ، واللفظ له.

٢٣٦

سن : عن ابن محبوب مثله (١).

جا : عن أحمد بن الوليد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن ابن عيسى مثله (٢).

٣ ـ لى : عن ابن الوليد ، عن أحمد بن إدريس ، عن جعفر الفزاري ، عن محمد بن الحسين بن زيد ، عن محمد بن سنان ، عن العلا بن الفضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أحب كافرا فقد أبغض الله ومن أبغض كافرا فقد أحب الله ، ثم قال عليه‌السلام : صديق عدوالله عدوالله (٣).

٤ ـ فس : « الاخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين » (٤) يعني الاصدقاء يعادي بعضهم بعضا ، وقال الصادق عليه‌السلام : ألاكل خلة كانت في الدنيا في غيرالله فانها تصير عداوة يوم القيامة.

وقال أميرالمؤمنين صلوات الله عليه : وللظالم غدا بكفه عضة ، والرحيل وشيك ، وللاخلاء ندامة إلا المتقين (٥).

٥ ـ ل : عن أبيه ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران عن سعيد بن يسار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : هل الدين إلا الحب؟ إن الله عزوجل يقول « قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله » (٦).

٦ ـ ل : عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن علي بن الصلت ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ربعي ، عن الفضيل ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من حب الرجل دينه حبه إخوانه (٧).

____________________

(١) المحاسن ص ٢٦٣.

(٢) مجالس المفيد : ٩٧.

(٣) أمالى الصدوق ص ٣٦٠ أواخر المجلس ٨٨.

(٤) الزخرف : ٦٧.

(٥) تفسير القمى.

(٦) الخصال ص ٥ ، الرقم ٦٩. والاية في آل عمران : ٣١.

(٧) الخصال ص ١٣ تحت الرقم ٤.

٢٣٧

٧ ـ ف : عن أبي جعفر الثاني قال : أوحى الله إلى بعض الانبياء : أما زهدك في الدنيا فتعجلك الراحة ، وأما انقطاعك إلي فتعززك بي ، ولكن هل عاديت لي عدوا أو واليت لي وليا (١).

٨ ـ ف : عن أبي محمد العسكري قال : حب الابرار للابرار ثواب للابرار وحب الفجار للابرار فضيلة للابرار ، وبغض الفجار للابرار زين للابرار وبغض الابرار للفجار خزي على الفجار (٢).

سن : عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره ، عن عبدالله بن القاسم الجعفري عن أبي عبدالله عليه‌السلام مثله (٣) مع تحريق وسقط.

٩ ـ سن : عن البزنطي ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث له قال : يا زياد ويحك وهل الدين إلا الحب؟ ألا ترى إلى قول الله « إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفرلكم ذنوبكم » (٤) أو لاترى قول الله لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله « حبب إليكم الايمان وزينه في قلوبكم » وقال : « يحبون من هاجر إليكم » فقال : الدين هو الحب والحب هو الدين (٥).

١٠ ـ سن : عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ، ومنع لله ، فهو ممن كمل إيمانه (٦).

١١ ـ سن : عن محمد بن خالد الاشعري ، عن إبراهيم بن محمد ، عن حسين بن مصعب قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : من أحب الله ، وأبغض عدوه ، لم يبغضه

____________________

(١) تحت العقول ص ٤٧٩.

(٢) تحف العقول ص ٥١٧.

(٣) المحاسن ص ٢٦٦.

(٤) آل عمران : ٣١ ، وما بعدها في الحجرات ٧ ، الحشر : ٩ ، على الترتيب.

(٥ ـ ٦) والمحاسن : ٢٦٣.

٢٣٨

لوتر وتره في الدنيا ثم جاء يوم القيامة بمثل زبد البحر ذنوبا كفرها الله له (١).

بيان : يقال : وترته نقصته ، والوتر بالكسر الجناية التي يجنيها الرجل على غيره من قتل أو نهب أو سبي.

١٢ ـ كا : عن العدة ، عن ابن عيسى والبرقي وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه وسهل جميعا ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أحب [ في ا ] لله ، وأبغض [ في ا ] لله ، وأعطى [ في ا ] لله فهو ممن كمل إيمانه (٢).

بيان : « من أحب لله » أي أحب من أحب لان الله يحبه وأمر بحبه من الانبياء والاوصياء عليهم‌السلام والصلحاء من المؤمنين ، لا للاغراض الدنيوية والاطماع الدنية « وأبغض لله » أي أبغض من أبغض لان الله يبغضه وأمر ببغضه من أئمة الضلالة والكفار والمشركين والمخالفين والظلمة والفجار لمخالفتهم لله تعالى « وأعطى لله » أي أعطى من أمرالله باعطائه من أئمة الدين وفقراء المؤمنين وصلحائهم خالصا لله من غير رئاء ولاسمعة ، وفي بعض النسخ « في الله » في المواضع فهو أيضا بمعنى « لله » و « في » لتعليل أو المعنى الحب في سبيل طاعته فيرجع إليه أيضا « فهو ممن كمل إيمانه » لان ولاية أولياء الله ومعاداة أعدائه وإخلاص العمل له عمدة الايمان وأعظم أركانه.

١٣ ـ كا : بالاسناد المتقدم ، عن ابن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن سعيد الاعرج ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : من أوثق عرى الايمان أن تحب في الله وتبغض في الله ، وتعطي في الله ، وتمنع في الله (٣).

ايضاح : العروة مايكون في الحبل يتمسك به من أراد الصعود ، وعروة الكوز ونحوه ، والاول هنا أنسب ، كأنه عليه‌السلام شبه الايمان بحبل يرتقى به إلى الجنة

____________________

(١) المحاسن : ٢٦٥.

(٢) الكافى ج ٢ ص ١٢٤.

(٣) الكافى ج ٢ ص ١٢٥.

٢٣٩

والدرجات العالية والاعمال الايمانية ، وأخلاقها بالعرى التي تكون فيه يتمسك بها من أراد الصعود عليه ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى « ومن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها » (١) والمنع في الله أن يكون عدم بذله وإعطائه لكونه سبحانه منع منه ، كالحد المنتهي إلى التبذير أو إعطاء الكفار لغير مصلحة ، والفجار لاعانتهم على الفجور ، وأمثال ذلك.

١٤ ـ كا : بالاسناد ، عن ابن محبوب ، عن أبي جعفر الاحول ، عن سلام بن المستنير ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ود المؤمن للمؤمن في الله من أعظم شعب الايمان ، أو ومن أحب في الله وأبغض في الله وأعطى في الله ومنع في الله فهو من أصفياء الله (٢).

سن : عن ابن محبوب مثله (٣).

توضيح : في القاموس : الود والوداد : الحب ـ ويثلثان ـ كالودادة والمودة (٤) وفي المصباح الشعبة من الشجرة الغصن المتفرع منها ، والجمع شعب مثل غرفة وغرف ، والشعبة من الشئ الطائفة منه ، وانشعبت أغصان الشجرة تفرعت عن أصلها وتفرقت ، ويقال : هذه المسألة كثيرة الشعب انتهى « وشعب الايمان » الاعمال والاخلاق التي يقتضي الايمان الاتيان بها ، والصفى الحبيب المصافي وخالص كل شئ.

١٥ ـ كا : عن الحسين بن محمد ، عن المعلى ، عن الوشاء ، عن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : إن المتحابين في الله يوم القيامة على منابر من نور ، قد أضاء نور وجوههم ونور أجسادهم ونور منابرهم كل شئ

____________________

(١) البقرة : ٢٥٦.

(٢) الكافى : ج ٢ ١٢٥.

(٣) المحاسن : ٢٦٣.

(٤) القاموس ج ١ ص ٣٤٤.

٢٤٠