إثبات ضعف وعجز ووهن وتقصير عن بلوغ ما يريده ، فلمّا لم يجز ذلك على الله تعالى استحال أن يكون في سلطانه مالا يريده. (١)
٥ ـ لو كان في العالم مالا يريده الله تعالى لكان ما يكره كونه ، ولو كان ما يكره كونه ، لكان يأبى كونه. وهذا يوجب أنّ المعاصي كانت ، شاء الله أم أبى. وهذه صفة الضعيف المقهور. وتعالى ربّنا عن ذلك علوّاً كبيراً. (٢)
يلاحظ على الوجهين : أنّ عدم تعلّق إرادته ليس بمعنى تعلّق إرادته بعدمه ، فلا يكون صدور الفعل عن الغير دليلاً على سهوه أو عجزه كما زعم ، كما لا يكون دليلاً على كونه مقهوراً ، إذ عدم كراهية وجود المعاصي لا يلازم كراهية عدمه ، حتى يستدلّ بوقوعها على المقهورية.
وفي الختام ، إنّ القول بعموم إرادته سبحانه لكلّ ما لا يجوز أن يراد عند الأشاعرة ، يتفرع على أصل آخر ، وهو أنّه سبحانه خالق لكلّ شيء مباشرة ، وأنّه لا سبب ولا علّة في دار الوجود إلاّ هو ، وليس لغيره أي سببية وتأثير استقلالاً وتبعاً. فلازم ذلك القول إنكار النظام السببي والمسببي ، والاعتراف بعلة واحدة قائمة مقام جميع العلل الطبيعية والمجردة ، وهذا القول لا ينفك عن عموم إرادته لكلّ شيء ، فكان الأصل هو مسألة خلق الأعمال عندهم ، ويترتب عليها القول بعموم إرادته. ويشهد لذلك بعض ما مرّ من أدلّة الشيخ الأشعري كالدليل الثاني.
قال الرازي في المحصل : « إنّه تعالى مريد لجميع الكائنات خلافاً للمعتزلة.[وسبق] لنا أن بيّنا أنّه تعالى خالقها ، وقد تقدّم أنّ خالق الشيء مريد لوجوده ». (٣)
وقال القاضي عضد الدين الإيجي في المواقف : إنّه تعالى مريد لجميع الكائنات ، غير مريد لما لا يكون لنا ، أمّا أنّه مريد للكائنات فلأنّه خالق
ــــــــــــــــــ
١ ـ اللمع : ٤٩.
٢ ـ اللمع : ٥٧ ـ ٥٨.
٣ ـ تلخيص المحصل : ٣٣٤.