الأشياء كلّها لما مرّ من استناد جميع الحوادث إلى قدرته تعالى ابتداء ، وخالق الشيء بلا إكراه مريد له بالضرورة. (١)
ثمّ إنّ الأشاعرة زعمت أنّ في ذلك القول تعظيماً لقدرة الله تعالى وتقديساً لها عن شوائب النقصان والقصور في التأثير ، ولكن غفلوا عن أنّ تفسير إرادته عن طريق خلق الأعمال مباشرة وبلا واسطة ، وإنكار سلسلة العلل والمعاليل في دار الوجود ، يستلزم نسبة كلّ عيب وشين إلى الله سبحانه ، فكفر الكافر مراد لله سبحانه لأنّه خالقه ، وإن كان المسؤول هو الكافر المجبور المكتوف الأيدي.
نعم ، تفسير عموم إرادته بهذا الوجه في جانب الإفراط ، كما أنّ قول المعتزلة بإخراج أفعال العباد عن حريم إرادته في جانب التفريط ، حيث زعموا أنّه سبحانه أوجد العباد وأقدرهم على تلك الأفعال ، ففوض إليهم الأمر ، فهم مستقلون بإيجاد أفعالهم على طبق مشيئتهم وقدرتهم متمسكين بالقول المعروف : « سبحان من تنزّه عن الفحشاء » ناسين القول الآخر : سبحان من لا يجري في ملكه إلاّ ما يشاء » وقد ندّد أئمّة الإمامية بكلا الرأيين فقد سأل محمد بن عجلان الصادق عليهالسلام فقال له : فوض الله الأمر إلى العباد؟ فقال : « الله أكرم من أن يفوّض إليهم ». قلت : فأجبر الله العباد على أفعالهم؟ فقال : « الله أعدل من أن يجبر عبداً على فعل ثمّ يعذّبه عليه ». (٢)
وقال الإمام موسى الكاظم عليهالسلام في ذم المفوضة :
« مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا الله عزّوجلّ بعدله ، فأخرجوه من قدرته وسلطانه ». (٣)
وعلى ضوء ذلك فيجب تفسير عموم إرادته على وجه يليق بساحته ، مع
ــــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المواقف : ٨/١٧٤.
٢ ـ التوحيد للصدوق : ٣٦١ ، الحديث ٦.
٣ ـ بحار الأنوار : ٥/٥٤ ، الحديث٩٣ ، ط طهران.