(١١)
الاستطاعة مع الفعل لا قبله
الاستطاعة غير الإنسان أوّلاً ، ويستحيل تقدّمها على الفعل ثانياً ، فله هاهنا دعويان يصرح بهما في العبارة التالية :
إن قال قائل : لم قلتم إنّ الإنسان يستطيع باستطاعة هي غيره؟
قيل له : لأنّه يكون تارة مستطيعاً ، وتارة عاجزاً ، كما يكون تارة عالماً ، وتارة غير عالم ، وتارة متحركاً وتارة غير متحرك ، فوجب أن يكون مستطيعاً بمعنى هو غيره ، كما وجب أن يكون عالماً بمعنى هو غيره ، وكما وجب أن يكون متحركاً بمعنى هو غيره ، لأنّه لو كان مستطيعاً بنفسه ، أو بمعنى يستحيل مفارقته له ، لم يوجد إلاّوهو مستطيع ، فلما وجد مرة مستطيعاً ، ومرة غير مستطيع ، صحّ وثبت أنّ استطاعته غيره.
فإن قال قائل : فإذا أثبتم له استطاعة هي غيره ، فلم زعمتم أنّه يستحيل تقدّمه للفعل؟
قيل له : زعمنا ذلك من قبل أنّ الفعل لا يخلو أن يكون حادثاً مع الاستطاعة في حال حدوثها أو بعدها ، فإن كان حادثاً معها في حال حدوثها ، فقد صحّ أنّها مع الفعل للفعل ، وإن كان حادثاً بعدها ـ وقد دلّت الدلالة على أنّها لا تبقى ـ وجب حدوث الفعل بقدرة معدومة ، ولو جاز ذلك فجاز أن يحدث العجز بعدها ، فيكون الفعل واقعاً بقدرة معدومة ، ولو جاز أن يفعل في حال هو فيها عاجز بقدرة معدومة ، فجاز أن يفعل مئة سنة ، من حال حدوث