يلاحظ عليه : أنّ المجيب تصوّر أنّ القول بانحصار الخلق بالله سبحانه يستند إلى دليل سمعي قابل للتخصيص كسائر عمومات الكتاب والسنّة. ولكن القول به يستند إلى برهان عقلي غير قابل للتخصيص ، وهو أنّ الممكن في ذاته وفعله قائم بالله سبحانه ، متدلّ به ، وليس يملك لنفسه ذاتاً ولا فعلاً. ولا فرق في ذلك بين الأفعال الخارجية والأفعال القلبية ، أعني : العزم والجزم ، فالكل ممكن ، والممكن يحتاج إلى واجب في وجوده وتحقّقه ، فينتج أنّ العزم والجزم في وجوده وتحقّقه محتاج إلى الواجب ومعلول لوجوده.
نعم ، لو كان صاحب المسايرة وأساتذته وتلامذته ممّن يفرّقون بين الخالق على وجه الاستقلال والخالق على الوجه التبعي لما صعب عليهم المقام.
« قدرة الله مانعة عن قدرة العبد ».
وإليك نصّ عبارته : إنّ الطاعة والمعصية للعبد من حيث الكسب ، ولا طاعة ولا معصية من حيث الخلق ، والخلق لا يصحّ أن يضاف إلى العبد ، لأنّه إيجاد من عدم ، والفعل موجود بالقدرة القديمة لعموم تعلّق القدرة الحادثة بها. (١)
فالقدرة الحادثة تتعلّق ولا تؤثر ، وهي ـ أي القدرة الحادثة ـ تصلح للتأثير لولا المانع ، وهو وجود القدرة القديمة ، لأنّهما إذا تواردتا لم يكن للقدرة الحادثة تأثير. (٢)
ــــــــــــــــــ
١ ـ العبارة لا تخلو من حزازة ، والصحيح أن يقال : لعموم تعلّق القدرة القديمة به ، أي بالفعل.
٢ ـ القضاء والقدر لعبد الكريم الخطيب : ١٨٧ نقلاً عن « الفلسفة والأخلاق » للسان الدين بن الخطيب قال : يرى لسان الدين بن الخطيب أنّ الكسب فعل يخلقه الله تعالى في العبد كما يخلق القدرة والإرادة والعلم ، فيضاف الفعل إلى الله خلقاً لأنّه خالقه ، وإلى العبد كسباً لأنّه محلّه الذي قام به ، ثمّ نقل العبارة التي نقلناها في المتن. ولا يخفى أنّه لو كان الكسب أيضاً فعلاً مخلوقاً لله سبحانه ، تكون المحاولة المذكورة فاشلة ، إذ عندئذ يكون الخلق والكسب كلاهما من جانبه سبحانه ، فلاحظ.