وكأنّ الشيخ يتصوّر أنّ القدرة المتقدّمة للفعل تزاحم قدرة الله عليه ، فلأجل ذلك وجد في نفسه حافزاً نفسياً إلى البرهنة على بطلان التقدّم وإثبات التقارن.
وما ذكرنا من الوجه يلائم عقيدة الشيخ في خلق الأعمال ، ولكن القول ببطلان التقدّم ولزوم التقارن لا يختص بالشيخ ، بل اختاره عدّة من المعتزلة ، والمتقدّمين على الشيخ عصراً ، يقول شارح المواقف : قد وافق الشيخ ـ في أنّ القدرة حادثة مع الفعل ـ كثير من المعتزلة كالنجار ومحمد بن عيسى وابن الراوندي وابن عيسى الورّاق وغيرهم. (١)
ثمّ إنّ هناك مسألة تتفرّع على المسألة الأُولى ، وهي أنّ القدرة صالحة للضدين ، وهذا ما يعطيه مفهوم القدرة ، فالقادر هو الذي إذا شاء أن يفعل فعل ، وإذا شاء أن يترك ترك ، فلو فرضنا صلاحية القدرة لأحد الضدين فقط ، لم يكن الآخر مقدوراً ، فلا يصدق على الفاعل كونه قادراً ولا على عمله أعمال القدرة ، وقد خالف في ذلك الأشاعرة فالقدرة الواحدة عندهم لا تتعلّق بالضدّين ، بل لا يتعلّق إلاّ بمقدور واحد ، سواء أكان المقدور الآخر ضداً أم لا.
و بما ذكرنا من التحقيق في المسألة الأُولى ، وأنّ النزاع هناك في أمر واضح يتضح حال هذه المسألة ، فإنّه لو أُريد من القدرة قابلية الفاعل واستعداده لأن يفعل فلا شكّ أنّها تتعلّق بالضدّين ، كما تتعلّق بالمتماثلين والمتخالفين ، وإن أُريد القوة الموجبة للفعل بحيث تجعل الفعل واجب التحقّق ، والفاعل واجب الفاعلية فلا شكّ أنّها لا تتعلّق إلاّ بمقدور واحد.
وإن شئت قلت : القدرة بمعنى العلّة الناقصة لصدور الفعل متقدمة على الفعل صالحة للتعلّق بالضدين ، وأمّا إذا كانت بمعنى العلّة التامّة غير المنفكة
ــــــــــــــــــ
١ ـ شرح المواقف : ٦/٩٢.