ب : إنّ الشيخ الشعراني ـ وهو من أقطاب الحديث والكلام في القرن العاشر ـ أحد من وقف على أنّ العقيدة بالكسب لا تفارق الجبر قدر شعرة ، فلأجل ذلك يقول : « اعلم يا أخي أنّ هذه المسألة من أدق مسائل الأُصول وأغمضها ، ولا يزيل أشكالها إلاّ الكشف الصوفي ، أمّا أرباب العقول من الفرق فهم تائهون في إدراكها ، وآراؤهم فيها مضطربة. إذ كان أبو الحسن الأشعري يقول : ليس للقدرة الحادثة ( قدرة العبد ) أثر ، وإنّما تعلّقها بالمقدور مثل تعلّق العلم بالمعلوم في عدم التأثير.
وقد اعترض عليه بأنّ القدرة الحادثة إذا لم يكن لها أثر فوجودها وعدمها سواء ، فإنّ قدرة لا يقع بها المقدور ، بمثابة العجز. ولقوة هذا الاعتراض لجأ أصحاب الأشعري إلى القول بالجبر. وقال آخرون : إنّ لها تأثيراً ما ، وهو اختيار الباقلاني ، لكنّه لما سئل عن كيفية هذا التأثير في حين التزامه باستقلال القدرة القديمة في خلق الأفعال ، لم يجد جواباً. وقال : إنّا نلتزم بالكشف لأنّه ثابت بالدليل ، غير أنّي لا يمكنني الإفصاح عنه بعبارة. وتمثّل الشيخ أبو طاهر بقول الشاعر :
إذا لم يكن إلاّ الأسنة مركباً |
|
فلا رأي للمضطر إلاّ ركوبها |
ثمّ قال : ملخّص الأمر : أنّ من زعم أنّه لا عمل للعبد ، فقد عاند ، ومن زعم أنّه مستبد بالعمل ، فقد أشرك ؛ فلابدّ أنّه مضطر على الاختيار. (١)
هذا ، وقد أحسن الشيخ في نقد الكسب. ولكن الاجالة إلى الكشف الصوفي إحالة إلى المجهول. أو إحالة إلى إدراك شخصي لا يكون حجّة للغير.
« الإنسان يقدر فعله ويصدرها بقدرته المتكسبة ».
ــــــــــــــــــ
١ ـ اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر : للشعراني : ١٣٩ ـ ١٤١.