فهذه الآيات تعرب بوضوح عن أنّ هناك أُموراً توصف بالإحسان والفحشاء والمنكر والبغي والمعروف ، قبل تعلّق الأمر أو النهي بها ، وأنّ الإنسان يجد اتصاف الأفعال بأحدها ناشئاًمن صميم ذاته ، كما يعرف سائر الموضوعات من الماء والتراب ، وليس عرفان الإنسان لها موقوفاً على تعلّق حكم الشرع ، وإنّما دور الشرع هو تأكيد إدراك العقل بالأمر بالحسن والنهي عن القبيح.
أضف إلى ذلك أنّه سبحانه يتخذ وجدان الإنسان سنداً لقضائه فيما تستقل به عقليته.
يقول سبحانه : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسدينَ في الأَرْضِ أَمْ نَجْعلُ المُتَّقينَ كَالفُجّار). (١)
٦ ـ يقول سبحانه : (أََفَنَجْعَلُ المُسْلِيمنَ كَالْمُجْرِمينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). (٢)
٧ ـ يقول سبحانه : (هَلْ جَزاءُ الإِحْسان إِلاّ الإِحسانُ). (٣)
فالتدبّر في هذه الآيات لا يدع مجالاً لتشكيك المشكّكين في كون التحسين والتقبيح من الأُمور العقلية التي يدركها الإنسان بالحجة الباطنية ، من دون حاجة إلى حجّة ظاهرية.
إنّ مسألة التحسين والتقبيح العقليين تحتل مكانة مرموقة في الأبحاث الكلامية إذ بها ينحل كثير من المشاكل في الكلام وغيره ، وإليك بيان بعضها :
ــــــــــــــــــ
١ ـ ص : ٢٨.
٢ ـ القلم : ٣٥ ، ٣٦.
٣ ـ الرحمن : ٦٠.