الأشعري بكلام نفسي لا يخرج عن إطار العلم والإرادة ، ولا شكّ أنّ علمه وإرادته البسيطة قديمان.
وأمّا السّادس : أعني كون الهدف من نفي كونه غير مخلوق القرآن غير مخلوق للبشر ، وفي الوقت نفسه هو مخلوق لله سبحانه ، فهذا أمر لا ينكره مسلم ، فإنّ القرآن مخلوق لله سبحانه ، والناس بأجمعهم لا يقدرون على مثله قال سبحانه : (قُلْ لَئِنِ اجَتَمَعتِ الإِنْس وَالجِنّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرآن لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهيراً). (١)
وقد نقل سبحانه عن بعض المشركين الألداء أنّ القرآن قول البشر وقال : (فَقالَ إِنْ هذا إِلاّ سِحْرٌ يُؤْثَر* اِنْ هذا إِلاّ قَولُ الْبَشَر ـ ثمّ أوعده بقوله : ـ سَأُصليه سَقَر* وَما أَدْراكَ ما سَقَر* لا تُبْقي ولا تَذرَ). (٢)
وهذا التحليل يعرب عن أنّ المسألة كانت مطروحة في أجواء مشوّشة اختلط فيها الحابل بالنابل ، ولم يكن محط البحث محرراً على وجه الوضوح حتى يعرف المثبت عن المنفي ، ويمخّض الحقّ من الباطل ، ومع هذا التشويش في تحرير محل النزاع ، نرى أهل الحديث والأشاعرة يستدلّون بآيات وغيرها على قدم كلامه ، وكونه غير مخلوق ، وإليك هذه الأدلة واحداً بعد واحد :
استدلّ الأشعري على قدم القرآن بوجوه :
الأوّل : قوله سبحانه : ( إِنَّما قُولُنا لِشيء إِذا أرْدناهُ اَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون ) (٣) قال الأشعري : وممّا يدلّ من كتاب الله على أنّ كلامه غير مخلوق قوله عزّوجلّ : إِنَّما قُولُنا لِشيء إِذا أَرْدناهُ اَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُون. فلوكان القرآن مخلوقاً لوجب أن يكن مقولاً له : « كن فيكون ». ولو كان الله عزّوجلّ
ــــــــــــــــــ
١ ـ الإسراء : ٨٨.
٢ ـ المدثّر : ٢٤ ـ ٢٨.
٣ ـ النحل : ٤٠.