ولسرعة الذهاب في عمل نحو (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً)(١) ، أي جريا متواصلا بلا هوادة.
قال : والتسبيح تنزيه الله تعالى وأصله المرّ السريع في عبادة الله تعالى. وجعل التسبيح عامّا في العبادات قولا كان أو فعلا أو نيّة ، قال تعالى : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ)(٢). قيل : من المصلّين. والأولى أن يحمل على ثلاثتها.
قال تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ)(٣).
(وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٤).
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ)(٥)
(لَوْ لا تُسَبِّحُونَ)(٦) أي هلّا تعبدونه وتشكرونه.
(تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(٧).
قال : فذلك نحو قوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً)(٨). (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)(٩).
قال : فذلك يقتضى أن يكون [تسبيحهم] تسبيحا على الحقيقة وسجودا له على وجه لا نفقهه ، بدلالة (وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) ودلالة قوله : (وَمَنْ فِيهِنَ) بعد ذكر السماوات والأرض. ولا يصحّ أن يكون تقديره : يسبّح له من في السماوات ، ويسجد له من في الأرض. لأنّ هذا ممّا نفقهه. ولأنّه محال أن يكون ذلك تقديره ، ثمّ يعطف عليه بقوله : «ومن فيهنّ».
قال : والأشياء كلّها تسبّح له وتسجد بعضها بالتسخير وبعضها بالاختيار. ولا خلاف أنّ السماوات والأرض والدوابّ مسبّحات بالتسخير ، من حيث إنّ أحوالها تدلّ على حكمة الله تعالى ،
__________________
(١) المزّمّل ٧٣ : ٧.
(٢) الصافّات ٣٧ : ١٤٣.
(٣) البقرة ٢ : ٣٠.
(٤) آل عمران ٣ : ٤١.
(٥) ق ٥٠ : ٤٠.
(٦) القلم ٦٨ : ٢٨.
(٧) الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٨) الرعد ١٣ : ١٥.
(٩) النحل ١٦ : ٤٩.