وإنّما الخلاف في السماوات والأرض هل تسبّح باختيار؟ والآية تقتضي ذلك ، بما ذكرت من الدلالة.
قال : وسبحان أصله مصدر نحو غفران ، قال : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)(١). (سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا)(٢). وقول الشاعر (٣) :
أقول ـ لمّا جاءني فخره ـ : |
|
سبحان من علقمة الفاخر! |
قيل : تقديره سبحان علقمة ، على طريق التهكّم ، فزاد فيه «من» ردّا إلى أصله.
وقيل : أراد سبحان الله من أجل علقمة ، فحذف المضاف إليه.
قال : والسّبّوح القدّوس من أسماء الله تعالى ، وليس في كلامهم «فعّول» سواهما. وقد يفتحان نحو «كلّوب» و «سمّور».
والسّبحة : التسبيح. وقد يقال للخرزات الّتي بها يسبّح : سبحة (٤).
***
أقول : والمتلخّص من كلامه : أنّ التسبيح هو السبح في عبادة الله ، أي الجري المستديم بلا فتور. والعبادة قد تكون قولا أو فعلا أو نيّة. فإذا أخذ العبد في عبادة ربّه بأيّ نحو من العبادات واستمر عليها بلا فتور ، فهو مسبّح ويصبح من المسبّحين.
وهو تحقيق لطيف تنحلّ به كثير من المشاكل التفسيريّة هنا. وأهمّها تسبيح الكائنات.
قيل : كيف تسبّح السماوات والأرض وما فيهنّ وحتّى تسبيح الرعد والطير صافّات والجبال يسبّحن بالعشيّ والإشراق. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)(٥).
لكن لو فسّرنا التسبيح بالدأب على العبادة ، وخالصها السّجود لله تعالى ، وهو الخضوع والاستسلام لمحض إرادته تعالى في تسيير نظام الكون والجري وفق ناموس الطبيعة الّذي جبل الأشياء عليه (فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً)(٦).
__________________
(١) الروم ٣٠ : ١٧.
(٢) البقرة ٢ : ٣٢.
(٣) وهو الأعشى. لسان العرب ٢ : ٤٧١.
(٤) المفردات (سبح) : ٢٢١ ـ ٢٢٢.
(٥) الإسراء ١٧ : ٤٤.
(٦) النحل ١٦ : ٦٩.