إنّ قصّة
الشجرة المحرّمة ، ووسوسة الشيطان باللذّة ، ونسيان العهد بالمعصية ، والصحوة من
بعد السكرة ، والندم وطلب المغفرة. إنّها هي هي تجربة البشريّة المتجدّدة المكرورة!
سيتعرّض لمثلها طويلا ، استعدادا للمعركة الدائبة وموعظة وتحذيرا .
وبعد ، فأين
كان هذا الّذي كان؟ وما الجنّة التي عاش فيها آدم وزوجه حينا من الزمن؟ ومن هم
الملائكة؟ ومن هو إبليس؟. كيف قال الله تعالى لهم؟ وكيف أجابوه؟ ...
قال سيّد قطب :
هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه ؛ وعلم
بحكمته أن لا جدوى للبشر في كنهه وطبيعته ، فلم يهب لهم القدرة على إدراكه
والإحاطة به ، بالأداة الّتي وهبهم إيّاها لخلافة الأرض ، وليس من مستلزمات
الخلافة أن نطّلع على هذا الغيب. وبقدر ما سخّر الله للإنسان من النواميس الكونيّة
وعرّفه بأسرارها ، بقدر ما حجب عنه أسرار الغيب فيما لا جدوى له في معرفته. وما
يزال الإنسان مثلا ، على الرغم من كلّ ما فتح له من الأسرار الكونيّة ، يجهل ما
وراء اللحظة الحاضرة جهلا مطلقا ، ولا يملك بأيّ أداة من أدوات المعرفة المتاحة له
أن يعرف ماذا سيحدث له بعد اللحظة وهل النفس الّذي خرج من فمه عائد أم هو آخر
أنفاسه؟ وهذا مثل من الغيب المحجوب عن البشر ، لأنّه لا يدخل في مقتضيات الخلافة ،
بل ربما كان معوّقا لها لو كشف للإنسان عنه؟ وهنالك ألوان من مثل هذه الأسرار
المحجوبة عن الإنسان ، في طيّ الغيب الّذي لا يعلمه إلّا الله.
ومن ثمّ لم يعد
للعقل البشري أن يخوض فيه ، لأنّه لا يملك الوسيلة للوصول إلى شيء من أمره. وكلّ
جهد يبذل في هذه المحاولة هو جهد ضائع ، ذاهب سدى ، بلا ثمرة ولا جدوى.
وبعد فإذ كان
العقل البشري لم يوهب الوسيلة للاطّلاع على مثل هذا الغيب المحجوب ؛ فليس سبيله
إذن أن يتبجّح فينكر. فالإنكار حكم يحتاج إلى المعرفة ، والمعرفة هنا ليست من
طبيعة العقل ، وليست في طوق وسائله ، ولا هي ضروريّة له في وظيفته!
إنّ الاستسلام
للوهم والخرافة شديد الضرر بالغ الخطورة. ولكن أضرّ منه وأخطر ، التنكّر للمجهول
كلّه وإنكاره ، واستبعاد الغيب لمجرّد عدم القدرة على الإحاطة به. إنّها تكون نكسة
إلى عالم الحيوان الّذي يعيش في المحسوس وحده ، ولا ينفذ من أسواره إلى الوجود
الطليق.
__________________