الّذي كان ينبغي له.
عندئذ تمّت التجربة : نسي آدم عهده وضعف أمام الغواية. وعندئذ حقّت كلمة الله وتمّ قضاؤه :
(وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ).
وكان هذا إيذانا بانطلاق المعركة في مجالها المقدّر لها ، بين الشيطان والإنسان ، إلى آخر الزمان. وعليه فلا يزال الإنسان في كفاح دائم مع عوامل الشرّ طول مسيرته في الحياة. كما عليه أن يأخذه بجدّه فلا تتكرّر التجربة الأولى «لا يلدغ المؤمن [النابه] من جحر مرّتين».
وعندئذ نهض آدم من عثرته ، بما ركّب في فطرته (من نباهة وذكاء) وأدركته رحمة ربّه التي تدرك الإنسان دائما عند ما يثوب ويئوب إلى بارئه.
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
وتمّت كلمة الله الأخيرة وعهده الدائم مع آدم وذرّيّته ، عهد الاستخلاف في هذه الأرض ، وشرط الفلاح فيها أو البوار :
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ).
نعم ، انتقلت المعركة الخالدة إلى ميدانها الأصيل ، وانطلقت من عقالها لا تهدأ لحظة ولا تفتر. وعرف الإنسان في فجر البشريّة كيف ينتصر إذا شاء الانتصار ، وكيف ينكسر إذا اختار لنفسه الخسار.
***
وهنا لا بدّ من عودة إلى مطالع القصّة : قصّة البشريّة الأولى :
لقد قال الله تعالى للملائكة : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) وإذن فآدم مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى ، ففيم إذن كانت تلك الشجرة المحرّمة؟ وفيم إذن كان بلاء آدم؟ وفيم إذن كان الهبوط إلى الأرض ، وهو مخلوق لهذه الأرض منذ اللحظة الأولى؟
قال سيّد قطب : لعلّني ألمح أنّ هذه التجربة كانت تربية لهذا الخليفة وإعدادا ، كانت إيقاظا للقوى المذخورة في كيانه ، كانت تدريبا له على تلقّي الغواية ، وتذوّق العاقبة ، وتجرّع الندامة ، ومعرفة العدوّ ، والالتجاء بعد ذلك إلى الملاذ الأمين!