والأشخاص شيء اقتضته طبيعة الحياة البشريّة بالذات ، وأساسها التفاهم وتبادل الأفكار ، الأمر الّذي تنبو عنه حياة الملك وهو متجرّد عن هذه الملابسات. فما وجه التحدّي ، بعد أن لم تعد حاجة إلى هذه الخاصيّة!؟
وهذا نظير ما إذا بعثنا مندوبا إلى بلاد الأرمن وعلّمناه لغتهم ، ثمّ تحدّينا به مندوبنا العربي المعدّ للذهاب إلى البلاد العربيّة ، وقلنا له : إنّ مندوبنا ذاك يفضّل عليك بعلمه بلغة الأرمن دونك؟!
وأمّا على تفسيرنا للأسماء بمعرفة حقائق الكون وأسرار الطبيعة والقدرة على استكشافها واستنباط خباياها ، بفضل استعداده الذاتي الّذي جبل عليه. فهذا يكون نظير ما لو بعثنا هيأة اكتشافيّة إلى مناطق صعبة أو إلى أجواء السماء للبحث عن الكوامن فيها. وهؤلاء يتحدّى بهم لمقام فضلهم وعلمهم وقدرتهم على هذا التجوال العلمي الواسع الأرجاء.
***
وإذ قد تحقّق ذلك التفوّق الذاتي لهذا الكائن البشري ، جاء دور اخضاع سائر الخلق له وتسخير الكائنات وفق إرادته. وبذلك تتجلّى في وجوده معنى الخلافة التي منحه الله إيّاها على وجه الأرض بأطباقها وأجوائها.
وفي مقدّمتها القوى الفاعلة في تدبير العالم وتنظيم الحياة في الوجود كلّه بإذن الله.
(وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ).
والسجود لآدم ، خضوع له ، حيث المسخّرات خاضعة لهذا الإنسان مدى الدهر.
(فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ).
وهنا تبتدئ خليقة الشرّ مجسّمة : عصيان الجليل سبحانه ، والاستكبار عن معرفة الفضل لأهله ، والعزّه بالإثمّ والاستغلاق للفهم. وبذلك تبيّن أنّ هناك قوى معارضة تعرقل سبيل الحياة في وجه هذا الكائن ، يرأسها إبليس ، حيث يحاول الغلبة على القوى العاملة في صالح الإنسان ، ليحول دون بلوغ مآربه.
وهكذا الحياة تزدحم بمعارضات ؛ هناك عوامل صالحة تعارضها آفات تعمل في الإفساد. وعلى هذا الإنسان ـ الكائن العاقل المتفكّر المدبّر لشؤون حياته ـ أن يخوض المعركة ويكافح المعارض ويقوم بعلاج حكيم.