النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أحد وثمانون يوما (١).
هذا مع العلم بأنّ سورة البقرة هي أوّل سورة نزلت بالمدينة ، وكمل نزولها خلال خمس سنين. فالآية تأخّر نزولها بعد إكمال السورة بخمس سنين ، لأنّها نزلت سنة العشر من الهجرة ، قبيل وفاة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأقل من ثلاثة أشهر.
وأمثال ذلك كثير ، من آيات سجّلت في مواضعها من السور ، من غير ما مراعاة للترتيب ، لا بالنسبة إلى الآيات بعضها مع بعض ، ولا بالنسبة إلى السور المدرج فيها.
***
خذ لذلك مثلا قاطعا ، سورة الممتحنة :
تبتدئ السورة بآيات نزلن بشأن حاطب بن أبي بلتعة سنة ثمان من الهجرة ، كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في شهر رمضان سنة ثمان ، أجمع على المسير إلى مكّة ، محاولا إخفاء مسيره إليها ، وقال : «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها» (٢).
ولكنّ حاطب بن بلتعة كتب كتابا إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأرسله مع امرأة ، يقال : إنّها سارة مولاة لبعض بني عبد المطلب ، وجعل لها جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلته في رأسها ثمّ فتلت عليه قرونها ثمّ خرجت تريد مكّة.
لكنّ الله فضحها وأخبر رسوله بذلك ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليّا والزبير إليها فأدركاها بذي الحليفة فاستنزلاها ففتّشا رحلها. فاضطرّت إلى استخراج الكتاب وفضح أمرها.
قال ابن هشام : وفي ذلك أنزل الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ...)(٣).
فصدر السورة نزلت في العام الثامن للهجرة.
أمّا الآيتان : العاشرة والحادية عشره. فقد نزلتا بعد صلح الحديبيّة عام الستّ من الهجرة. بشأن سبيعة بنت الحارث الأسلميّة ، جاءت مسلمة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فور ختم كتاب الصلح.
وكان من موادّ الصلح : أنّ من أتاه من مكّة ردّه إليهم.
__________________
(١) الزركشي في البرهان ١ : ٢٠٩ ، النوع العاشر.
(٢) من البغتة بمعنى المفاجئة أي نفاجئها.
(٣) سيرة ابن هشام ٤ : ٤٠ ـ ٤١. وراجع : مجمع البيان ٩ : ٢٦٩.