نزولها : ٥٢! وهل وقع التحدّي من الأخفّ إلى الأشدّ؟!
قلت : لا ثقة بهذا الترتيب ـ وفق المأثور ـ ليكون حتما لا نقاش فيه ، فلعلّ هناك بعض التقديم والتأخير أو تساهلا في تسلسل الترقيم. لا سيّما والاختلاف في كثير من مواضع الترتيب معروف.
على أنّ هناك من الآيات ما نزلت في وقت ، ولكن تأخّر تسجيلها في سورة نزلت بعدها بزمان. أو العكس : كان من الآيات ما نزلت في وقت متأخّر عن وقت نزول سورتها.
فمن النوع الأوّل آية الصدع (١) وآية إنذار الأقربين (٢) نزلتا في إبّان الدعوة عند ما أمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بإظهار الدعوة وليبدأ بعشيرته الأقربين.
قال أبو جعفر الطبري : ثمّ إنّ الله ـ عزوجل ـ أمر نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد مبعثه بثلاث سنين أن يصدع بما جاءه منه ، وأن يبادي الناس بأمره ويدعو إليه ، فقال له : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ). وكان قبل ذلك ـ في السنين الثلاث من مبعثه ـ مستسرّا مخفيا أمره.
قال : وأنزل عليه : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ...). قال : وكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذا صلّوا ذهبوا إلى الشّعاب ، فاستخفوا من قومهم (٣).
هذا وآية الصدع مسجّلة في سورة الحجر ، رقم نزولها : ٥٤. وآية الإنذار مثبتة في سورة الشعراء ، رقم نزولها : ٤٧. الأمر الّذي يقتضي نزولها في فترة متأخرة عام الست أو السبع من البعثة. بعد ملاحظة أنّ مجموعة السور النازلة بمكة : ٨٦ سورة. وقد بدئت بعد العام الثالث من البعثة.
فكان ثبت آية الصدع في سورة الحجر ، المتأخرة نزولا عن سورة الشعراء المثبت فيها آية الإنذار. كان ذلك دليلا على أنّ ترتيب نزول الآيات غير مرعيّ في ثبتها في السور.
ومن النوع الثاني ما قيل بشأن آخر آية نزلت من القرآن ، وهي قوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٤) ، فيما رواه ابن الأنباري بإسناده إلى ابن عبّاس قال : آخر آية أنزلت : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ...). قال : وكان بين نزولها ووفاة
__________________
(١) قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) الحجر ١٥ : ٩٤ ـ ٩٥.
(٢) قوله تعالى : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) الشعراء ٢٦ : ٢١٤.
(٣) تاريخ الطبري ٢ : ٣١٨ ؛ سيرة ابن هشام ١ : ٢٨٠.
(٤) البقرة ٢ : ٢٨١.