فجاء زوجها مسافر المخزومي في طلبها وكان مشركا ، فقال : يا محمّد ، اردد عليّ امرأتي بنصّ كتاب الصلح وعلى ما شرطت لنا. وهذه طينة الكتاب لم تجفّ!!
فاحتار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في أمره. فنزلت الآيتان :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ...) إلى قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ).
فامتنع النبي من ردّها. وحكم بإبانتها عن زوجها الكافر. فتزوّجها رجل من المسلمين. وبذلك اختص شرط الردّ بالرجال دون النساء المهاجرات (١).
وبذلك تبيّن أنّ ثبت آية في موضعها من أيّ سورة كانت ، لا ينمّ عن موضعها حسب النزول ، لا بالنسبة إلى السورة ذاتها ، ولا بالنسبة إلى مكتنفاتها من آيات.
إذن فلا موضع للجدل بشأن آيات التحدّي حسب ترتيب بعضها مع بعض ، نظرا إلى مواضعها من السور ، وهي لا تنمّ عن شيء.
فالمرجع هو الدليل القائل بأنّ التحدّي بالعشر يجب أن يكون واقعا قبل التحدّي بسورة واحدة. إيذانا بموضع ضعف المناوئين وامتهانا بمقدرتهم على المعارضة.
***
وأخيرا فلا يذهب عليك فتتوهّم أنّ يدا عابثة لعبت بهكذا آيات فغيّرت من مواضعها الأصل. كلّا بل الّذي نقوله : إنّ لفيفا من الآيات سجّلت على غير ترتيب نزولها بإرشاد من الوحي ، لحكمة قد تخفى علينا. ومن ثمّ فإنّ ترتيب ثبت الآيات جميعا في مواضعها من السور ، توقيفى لا غير. حسبما فصّلنا الكلام فيه.
وبعد فإليك إجمالا من مباحث حول قضيّة التحدّي مرّت عليك في مباحثنا عن مسألة الإعجاز :
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٢٧٣. وراجع : ابن هشام ـ السيرة ٣ : ٣٤١ ، والبحار ٨٩ : ٦٧.