[٢ / ٤٦٣] أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم بالإسناد إلى ابن عبّاس ، في قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً ...) قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزّون بالإسلام فيناكحهم المسلمون ويوارثونهم ويقاسمونهم الفيء ، فلمّا ماتوا سلبهم الله العزّ كما سلب صاحب النار ضوءه وتركه في ظلمات. قال : في عذاب إذا ماتوا (١).
[٢ / ٤٦٤] وهكذا أخرجه الثعلبي وتبعه البغوي عن ابن عبّاس وقتادة والضحّاك ومقاتل والسدّي ، إنّها نزلت في المنافقين. يقول تعالى : مثلهم في كفرهم ونفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة ، فاستضاء بها واستدفأ ورأى ما حوله ، فاتّقى ما يحذر ويخاف فأمن. فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي مظلما خائفا متحيّرا. كذلك المنافقون إذا أظهروا كلمة الإيمان استناروا بنورها واعتزّوا بعزّها وناكحوا المسلمين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم وأمنوا على أموالهم وأولادهم ، فإذا ماتوا عادوا إلى الخوف والظلمة وهووا في العذاب والنقمة (٢).
[٢ / ٤٦٥] وأخرج ابن جرير عن ابن عبّاس في قوله : (كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ) قال : ضربه الله مثلا للمنافق. وقوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) أما النور فهو إيمانهم الّذي يتكلّمون به ، وأما الظلمة فهي ضلالتهم وكفرهم (٣).
[٢ / ٤٦٦] وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق. إنّ المنافق تكلّم بلا إله إلّا الله فناكح بها المسلمين ، ووارث بها المسلمين ، وغازى بها المسلمين ، وحقن بها دمه وماله. فلمّا كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، فسلبها المنافق عند الموت ، فترك في ظلمات وعمى يتسكّع فيها. كما كان أعمى في الدنيا عن حقّ الله وطاعته ، (صُمٌ) عن الحقّ فلا يسمعونه ، (بُكْمٌ) عن الحقّ فلا ينطقون به ، (عُمْيٌ) عن الحقّ فلا يبصرونه (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكّرون (٤).
__________________
(١) الطبري ١ : ٢٠٥ / ٣٢٧ ؛ ابن أبي حاتم ١ : ٥٠ / ١٥٨ ؛ ابن كثير ١ : ٥٧.
(٢) الثعلبي ١ : ١٦٠ ؛ البغوي ١ : ٩٠ ؛ مجمع البيان ١ : ١١٢ ـ ١١٣ ؛ أبو الفتوح ١ : ١٣٩ ـ ١٤٠.
(٣) الدرّ ١ : ٨٢ ؛ الطبري ١ : ٢٠٦ / ٣٢٩.
(٤) الدرّ ١ : ٨٣ ؛ الطبري ١ : ٢٠٦ / ٣٣٠ و ٣٣٩.