فمن تعمّق (١) لم ينب إلى الحقّ ولم يزدد إلّا غرقا في الغمرات (٢). ولم تنحسر عنه فتنة إلّا غشيته أخرى ، وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج (٣).
ومن نازع في الرّأي وخاصم شهر بالعثل (٤) من طول اللّجاج.
ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيّئة.
ومن شاقّ (٥) اعورّت عليه طرقه واعترض عليه أمره ، فضاق عليه مخرجه إذا لم يتّبع سبيل المؤمنين.
والشكّ على أربع شعب : على المرية ، والهوى ، والتردّد ، والاستسلام (٦) وهو قول الله عزوجل : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى)(٧).
وفي رواية أخرى : على المرية ، والهول من الحقّ ، والتردّد ، والاستسلام للجهل وأهله.
فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه (٨) ، ومن امترى في الدّين تردّد في الرّيب (٩) ، وسبقه
__________________
(١) أي التعمّق في الباطل وطلب أقصى غايته بالرأي والقياس. وقوله : «والتنازع فيه» أي مخاصمة الحقّ بالرأي الباطل والزيغ أي الميل عن الحقّ إلى الباطل. والشقاق : المخالفة الشديدة مع أهل الحقّ. وقوله : «لم ينب» أي لم يرجع. وفي بعض النسخ «لم يتب».
(٢) الغمرة : معظم الماء ، مثل للجهالة الّتي يغمر صاحبها ، والانحسار الانكشاف.
(٣) قال الرّاغب : أصل المرج : الخلط. والمرج الاختلاط ، يقال : أمرهم مريج أي مختلط وقال البيضاوي في قوله تعالى : (فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي مضطرب.
(٤) العثل : الحمق. وفي أكثر النسخ «بالفشل» بالفاء والشين وهو الضعف والجبن.
(٥) أي عارض ونازع أهل الدين والإمام المبين. وقوله : «اعورّت» أي صارت أعور ، لا علم لها فلا يهتدي سالكها. وفي بعض النسخ «أوعرت» أي صعبت.
(٦) المرية بالكسر والضم ، الشك والجدل وماراه مماراة ومراء وامترى فيه وتمارى : شك. «والتردّد» أي بين الحقّ والباطل لأنّ الشّاك متردّد بينهما قد يختار هذا وقد يختار ذاك. والاستسلام : الانقياد لأنّ الشّاك واقف على الجهل مستسلم له.
(٧) النجم ٥٣ : ٥٥. والممارات : المجادلة على مذهب الشك وشعبه.
(٨) الهول : الخوف من الحقّ وقوله : (نَكَصَ) أي رجع عمّا كان عليه.
(٩) أي تحيّر فيه لعدم النجاة منه.