.................................................................................................
______________________________________________________
والتراجيح هو ترجيح بعضها على بعض. ولا ريب في ان الادلة تتعارض وتتنافى اولا ، وبعد تنافيها وتعارضها تكون اما متعادلة او بعضها ارجح من الآخر. ومن الواضح ان جعل عنوان المبحث هو الجامع لاقسامه اولى من جعل عنوانه نفس اقسامه ، او جعل العنوان الموضوع اولى من جعله الحكم او الاثر المرتب عليه. ومن البيّن ان الموضوع للتعادل والتراجيح هو التعارض ، لما عرفت من انها تتعارض أولا ثم اما تتعادل او يكون بعضها ارجح.
الثاني : ان التعارض هو من باب التفاعل .. وقد يتوهّم بدوا انه لا بد من وقوع المادة فيه لفاعلين ، كمثل تشارك زيد وعمرو ، وتضارب بكر وخالد. ولكن مراجعة الاستعمالات الصحيحة ينفي ذلك ، فان مثل تعافى زيد عن الامر ، وتقاعس عمرو عن النهوض ، وتساند زيد الى الجدار ، وتماثل للشفاء ، وتغابى عن الحق ، وتمايل في الهواء ، وتهادى في مشيته ، مما كان الفاعل فيها واحدا لا اثنين كثير جدا ، قد ورد في القرآن الكريم ما كان الفاعل فيها واحدا كقوله تعالى : (غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ)(١) وقوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى)(٢) وقوله عزّ من قائل : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ)(٣).
فظهر مما ذكرنا : انه لا يلزم في باب التفاعل ان تدل النسبة فيه على نسبة المادة لفاعلين ، بل لو دلّت على ذلك لكانت الهيئة دالة على نسبتين ، ومن البديهي ان الهيئة انما تدل على نسبة واحدة لا نسبتين ، وانما مدلول هيئة التفاعل هي نسبة واحدة خاصة لها طرفان ، فقد يكون الطرفان مشتركين في تلك المادة فيكون لباب التفاعل فاعلان كتضارب زيد وعمرو وتشارك بكر وخالد ، وقد يكون الفاعل واحدا
__________________
(١) المائدة : الآية ٣.
(٢) النجم : الآية ٥٥.
(٣) السجدة : الآية ١٦.