تأكيدا وتحقيقا للكلام وذكرا عائدا على ما تقدم. قال الخليل (١) في كتابه : نفس كلّ شيء عينه وذاته (٢). وقال الفراء : النّفس تأتي على وجه الذّكر العائد لما تقدم ؛ لأنك إذا قلت : أهلك زيد نفسه ، وأضر بنفسه ، فإنما هو ذكر عائد على زيد ، وليس النفس بشيء غير زيد ، وإنما أردت الإخبار عن الفاعل والمفعول به بشيء واحد ، وأعدت الكلام وذكرتها بدلا منه. ومثل ذلك قوله تعالى : (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) [البقرة : ٩] فأخبر أنّ وبال خداعهم راجع إليهم دون غيرهم ، وذكر أنفسهم ليعلم أن الخادع والمخدوع شيء واحد. قال الفراء : العرب إذا أوقعت فعل شيء على نفسه تكنّي فيه عن الاسم ـ قالوا (٣) في الأفعال التامة غير ما يقولون في الناقصة ، فيقال للرجل : قتلت نفسك وأحسنت إلى نفسك ، ولا تقول قتلتك وأحسنت إليك.
وكذلك قال الله تعالى : (اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٦٦] ، وقال : (وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) [هود : ١٠١] ، فإذا كان الفعل ناقصا مثل حسبت وظننت ، قال قائلهم : أحسبني خارجا ، وأظنني خارجا ، ومتى أك (٤) خارجا. ولم يقل قائلهم : متى ترى نفسك ، ولا متى تظن نفسك ، وذلك لأنهم
__________________
(١) الخليل بن أحمد الفراهيدي ولد سنة ١٠٠ ه بالبصرة أحد أئمة اللغة والأدب وواضع علم العروض ومات سنة ١٧٠ ه وله كتاب العين في اللغة ومعاني الحروف جملة آلات العرب وكتاب العروض والنقط والشكل ، أنظر الأعلام ٢ / ٣١٤.
(٢) في العين : وكل شيء بعينه نفس.
(٣) في (ب) قال. وفي (ج) ويقولون.
(٤) في (ب) و (ج) تراك. وفي هامش (ب) قاعدة نحوية ص ٥٢ ، جعل المصنف عليهالسلام أفعال القلوب من الأفعال الناقصة باعتبار اللغة لا باعتبار اصطلاح النحويين ، فلا يشكل عليك.