أرادوا الفرق بين الفعل الذي يجوز إلغاؤه ، وبين الفعل الذي لا يجوز إلغاؤه. ألا ترى أنك إذا قلت : أنا أظن خارجا فيبطل الظن ويعمل (١) في الاسم فعله وقد قال تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٦] ولم يقل أن رأى نفسه (٢).
وإذ (٣) قد بينا معاني النفس في اللغة ، فلنذكر معنى الآية فتقول : قد بيّنا ما يحتمله لفظ النفس في اللغة ، ولا خلاف (٤) بين المسلمين أنه لا يصح أن يراد بها في الآية الدم ، ولا العين ، ولا الدبغة ، ولا الإرادة والشهوة ، ولا الروح ، ولا يجوز أن يراد بها الجسد ؛ لأنا قد أبطلنا أن يكون الله تعالى جسما ؛ إذ الأجسام محدثة ، وهو تعالى قديم ، فلا يجوز أن يكون محدثا على ما تقدم بيانه. وإذا بطل جميع ذلك فهي إذن تأكيد وتخصيص ، وذكر عائد على ما تقدم ، نحو ما بيّنا. فيكون المعنى تعلم ما في نفسي أي في ضميري ، ولا أعلم ما في نفسك أي ما في حقيقة علمك من علم الغيب. وقيل : تعلم ما أخفى في نفسي ، ولا أعلم ما تخفى ، وذكر النفس لمزاوجة اللفظ.
وقد فسّر جماعة من الصحابة والتابعين هذه الآية بما يوافق قولنا ؛ فروي عن عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي) [المائدة : ١١٦] قال : تعلم ما في غيبي (وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) [المائدة : ١١٦] أي
__________________
(١) في (ج) فتبطل الظن وتعمل. وفي (ه) فيبطل الظن ولا يعمل.
(٢) في بقية النسخ : ولم يقل : رأى.
(٣) في (ب) وإذا.
(٤) في (ب) : فلا خلاف.