وعلى الجملة فهو معلوم من الدين ضرورة. فأما قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] ، وقوله : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) [القصص : ٧٨] ونحو ذلك في القرآن فإنه لا ينافي ما تقدّم ؛ لأن هناك مواقف كثيرة ، قيل : هي خمسون موقفا. وهناك حالات كثيرة ، ففي بعضها يقع السؤال كما تقدم وفي بعضها لا يقع سؤال ، كما في هذه الآيات ، وإذا كانت الحال هذه سلم كلامه عزوجل من التناقض والتعارض ؛ لاختلاف الوقتين ، وليس في آيات إثبات السؤال وآيات نفيه أنّ ذلك كلّه في وقت واحد ، ومن شروط (١) التناقض والتعارض أن يكون الوقت واحدا.
كذلك قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر : ٣١]. وقوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ* وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ـ ٣٦]. فإن ذلك كله في وقتين فصاعدا ، وليس في الآيتين أنّ ذلك في وقت واحد ، فينبغي حفظ هذا الأصل فيما هذه حاله. فإن الجاهل بمقاصد القديم سبحانه في خطابه يظنّ أنّ بعض ذلك ينقض بعضا لجهله بشروط
__________________
(يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ، وقوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) فهو أن الأول معناه : لا يسأل بعضهم بعضا سؤال استخبار لتشاغلهم عن ذلك ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ). والثاني معناه : يسأل بعضهم بعضا سؤال تلاوم وتوبيخ ، كما قال سبحانه في موضع آخر : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ). أما سؤال الرسل فالمراد به أيضا التهديد للمرسل إليهم مثل قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) فالسؤال لها توبيخ ، وتهديد. ينظر الطبرسي ٤ / ٢١٨. والكشاف ٤ / ٤٥٠.
(١) في (ب) : لأن من شروط.