أن يكون عالما ؛ فلأن من جملة هذه المعاني العلم ؛ إذ ذلك هو مذهب الصفاتية القائلين بأنه تعالى عالم بعلم ، والعلم لا يصح وجوده إلا من عالم ، بدليل أنّ الواحد منا إنما يتوصّل إلى تحصيل العلم بما لا يعلمه بعلم ما يعلمه قبل ذلك ، فيتوصّل بالدليل أو بغيره من تذكّر النظر وما أشبهه إلى أن يعلم ما يريد أن يعلمه ؛ ولهذا فإن الصبي والمجنون يتعذر عليهما تحصيل العلوم والمعارف ؛ لأنّ علوم العقل التي هي مبادئ الأدلة والبراهين وأصولها لم تتكامل في حقهما ـ وإن كانا قد يعلمان كثيرا من المعلومات ـ ويصح ذلك من العاقل لتكامل عقله.
فالحكم الذي هو صحة إحداث العلم يثبت بثبوت كونه عالما وينتفي بانتفائه ، وليس هناك ما تعليق الحكم به أولى ، فلا بد من تعلّق ، وأدنى درجات التعلق هو تعلّق الشرط بالمشروط ، فيكون كونه عالما شرطا في صحة إحداثه للعلم ، فثبت أنه تعالى لو استحقها لعلل محدثة لوجب أن تحتاج تلك (١) العلل في حدوثها إلى محدث قادر عالم حيّ.
وإنما قلنا : بأنّ ذلك لا يجوز ؛ لأنه لا يخلو أن يكون هو الله أو غيره. فالأول باطل ؛ لأنه لا يصح منه إحداثها حتى يكون على هذه الصفات فيكون قادرا عالما حيّا ؛ لما تقدم بيانه ، وهو لا يكون على هذه الصفات حتى يحدثها فيقف كلّ واحد من الأمرين على الآخر ، فلا يحصلان ، ولا واحد منهما.
ولا يجوز أن يحدثها غيره ؛ لأنّ ذلك الغير كان يجب أن يكون قبل إحداثها مختصا بهذه الصفات ؛ فكان يجب أن يحتاج في ثبوتها له إلى علل أخرى محدثة ، ثم كذلك حتى يؤدي إلى القول بما لا يتناهى من الفاعلين والعلل ، وذلك محال ، أو إلى ثبوت بعضها دون بعض وذلك باطل ؛ لعدم
__________________
(١) تلك : ساقطة من (ب).