الدهرية ، أولا لذواتها بل لأمر غيرها. باطل أن يثبت لذواتها ؛ ولا لما هي عليه في ذواتها (١) ؛ لأنها مشتركة في ذواتها وما يختصها من الذاتيّات وما يقتضي عنها ، فلم يكن بعضها بأن يكون ماء والآخر نارا أولي من العكس ، وكذلك سائرها ، بل كان يجب أن يكون الماء ماء ونارا وأرضا وسماء وجبالا وأشجارا وهواء إلى غير ذلك من الهيئات والصور ؛ لاشتراكها في الموجب لذلك. ومعلوم خلاف ذلك ، فلم يبق إلا أن يكون اختلافها ثابتا لغيرها ، وذلك الغير لا يخلو أن (٢) يكون مؤثّرا على سبيل الإيجاب وهو العلّة ، أو لا على سبيل الإيجاب ، بل على سبيل الصحة والاختيار وهو الفاعل. ومحال أن يكون اختلافها لعلة أثّرت في ذلك كما يقوله الفلاسفة ، أو طبع أو مادة أو فلك أو هيولى (٣) أو صورة أو عقل أو نفس أو غير ذلك من الموجبات التي يثبتها أهل الجهالات ، لأن ذلك الموجب لا يخلو أن يكون واحدا أو أكثر. ومحال أن يكون واحدا ؛ لأن العلة الواحدة لا يجوز أن تؤثّر في أمور كثيرة ، وإلا وجب أن تكون مماثلة لنفسها إن كانت موجباتها متماثلة ، أو مخالفة لنفسها إن كانت موجباتها مختلفة وذلك محال ؛ لأن المماثلة والمخالفة فرع على الشّبهيّة والغيريّة ، وليس هناك غير شيء واحد ، فلا يجوز أن يكون مماثلا لنفسه
__________________
(١) في (ب) : من ذواتها.
(٢) في (ب) : إما أن.
(٣) الهيولى : لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة ، واصطلاحا الجوهر الذي لا ينقسم ، ويتألف منه الجسم ؛ لأن الجسم يتألف من ستة جواهر : أمام ووراء وفوق وتحت ويمين وشمال. [تاج العروس ١٥ / ٨٢٢]. وقيل : أربعة ، وعند الأشعرية اثنان. وقيل : ما اجتمع فيه : الطول والعرض والعمق ، وإنما يحصل بالثمانية. [مقدمة البحر الزخار ص ١٠٠ ، وإرشاد الجويني ص ٣٩]. والزيدية ترى أن الجوهر غير معقول ولا ثابت وأن العالم ليس إلا جسما أو عرضا [الأساس الكبير ١ / ١٢٢].