ولا مخالفا ، فبطل أن يكون الموجب واحدا. ومحال أن يكون أكثر من واحد ؛ لأنه لا يخلو أن تكون متماثلة أو مختلفة. ومحال أن تكون متماثلة ؛ لأن العلل المتماثلة لا يجوز أن توجب أمورا مختلفة ، وإلا لزم ما تقدم من كونها متماثلة مختلفة معا ؛ لاختلاف موجبها. ومحال أن تكون مختلفة ؛ لأنها حينئذ تكون قد شاركت الأجسام فيما لأجله احتاجت إلى علّة أو علل ، وهو الاختلاف ، فكان يجب أن تحتاج إلى علل أخرى مختلفة. ثم الإلزام ثابت في احتياج هذه العلل إلى علل أخرى حتى يتصل الأمر في ذلك بما لا يتناهى وذلك باطل ؛ لأنه قد وقف وجود هذه المختلفات على وجود ما لا يتناهى. وكلّ ما وقف وجوده على وجود ما لا نهاية له استحال وجوده ؛ وفي علمنا بوجود العالم بما فيه دلالة على خلاف ذلك ؛ فإنّ وجوده معلوم ضرورة ، فبان أنه إنما حصل العالم ووجد بفاعل مختار يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، وهو الله رب العالمين. فثبت أن لهذا العالم صانعا صنعه ومبتدعا ابتدعه ، تبارك وتعالى عما يقول المبطلون.
فصل فيما يلائم ذلك ويؤكده من السنة :
روي عن أنس بن مالك أن رجلا قال : يا رسول الله أيّ الأعمال أفضل؟ ، قال : «العلم بالله» (١) ثلاثا ، وعنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «التوحيد ثمن الجنة» (٢) وفي بعض الأخبار «ثمر الجنة».
__________________
(١) إتحاف السادة المتقين للزبيدي ١ / ٨٥ ، كما في موسوعة الأطراف ٤ / ١٢٦.
(٢) أخرجه في شمس الأخبار ١ / ٦١. ولفظه : «التوحيد ثمن كل جنة ، والشكر وفاء كل نعمة». وفي أمالي المرشد بالله ١ / ٤٢ ، بلفظ : «التوحيد ثمن الجنة ، والحمد لله وفاء شكر كل نعمة ، وخشية الله مفتاح كل حكمة ، والإخلاص ملاك كل طاعة». ومسند الفردوس ٢ / ٧٤ برقم ٢٤١٥. والدر المنثور ١ / ٣٥.