الرَّسُولُ). وكذلك معنى النبوة والرسالة قد (١) صار في الشرع واحدا.
وأما الموضع الثاني وهو في حسن إرسال الله تعالى للرسل
فإنا نعتقد كون ذلك حسنا ، والذي يدل على ذلك أن العقل يجوّز أن يكون فيه فائدة ، وأن يتعرّى عن سائر وجوه القبح ، وكلّ ما هذا حاله فإن العقل يجوّز حسنه. وتحقيق هذه الدلالة أنها مبنية على أصلين : أحدهما : أن العقل يجوّز أن يكون في إرسال الله تعالى للرسل فائدة ، وأن يتعرّى عن سائر وجوه القبح. والثاني : أن كل ما هذه حاله فإن العقل يجوّز حسنه.
أما الأصل الأول : فالذي يدل عليه إمّا أنه يجوز أن يكون فيه فائدة ؛ فلأنه يجوز أن يكون مصلحة للمكلفين بأن يحثّهم على ما في عقولهم فيكونون مع ذلك أقرب إلى الإتيان بذلك ، كما ثبت أنّ لأمر الزهاد ووعظ الوعاظ هذه المزية مع تجويز الخطأ عليهم ، فكيف بمن يظهر عليهم المعجز. وهذه فائدة عظيمة كافية في ذلك. ثم نقول : وفيه فائدة أخرى وهي : أن يرد الوعيد على سبيل القطع فيكون المكلفون مع ذلك أقرب إلى الانزجار عن القبائح العقلية ويصرفهم عن فعل القبائح العقلية التي لم يبلغ العقل إلى معرفة تفصيلها ، كما أن الطبيب العارف يعرّف المريض من المصالح النافعة له ما لم يكن يعرف بعقله تفصيله. وإذا جاز أن يخفى على بعضنا من المصالح النافعة ما لم يعرفه (٢) البعض الآخر ـ جاز أن يخفى علينا منّ مصالحنا ما يعلمه علام الغيوب ، وإذا جاز ذلك جاز أن يبيّنه تعالى لنا على ألسنة الرسل. وإمّا أنه ليس فيه وجه من وجوه القبح ؛ فلأنّ وجوه القبح محصورة ، والعقل يقطع على انتفاء
__________________
(١) في (ب) : فقد.
(٢) في (ب) : يعرف. وقال في الهامش : الأولى ما لم يخف على البعض وذلك ظاهر.