وذهبت المجبرة إلى أن ما كان في أيدي الناس من حلال أو حرام فإنه يكون رزقا لهم (١). وقولهم بعضه صحيح وبعضه فاسد. فأما الصحيح : فهو أنّ الحلال رزق ؛ ولهذا مدح الله المنفقين من الحلال. فقال (٢) سبحانه : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة : ٣] وأباح الأكل منه ؛ فقال : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ٥٧]. وما شاكل ذلك من الآيات. وأمّا الفاسد من قولهم ، فهو أنّ الحرام رزق فهذا فاسد ؛ لأنه لو كان ما في يد الغاصب رزقا له ، وكذلك السارق ، وقطّاع الطريق من المحاربين والمتغلّبين ـ لما كانوا غاصبين بأخذه ، ولما وجب على الإمام قتل المحاربين الذين ينهبون في طرق المسلمين ، ولما وجب عليه قطع يد السارق متى سرق من حرز ما يسوى عشرة دراهم (قفلة (٣)) ، ولما وجب عليه أن يسترجع من الغاصب ما غصبه على المسلمين ؛ لأنه لو جعله رزقا لهم ثم أمر بإجراء هذه الأحكام عليهم (٤) لكان ذلك قبيحا وهو لا يفعل القبيح كما تقدم بيانه. يبيّن ذلك ويوضّحه أنّ السلطان لو رزق جنده مالا ثم حظر عليهم الانتفاع به وعاقبهم على الانتفاع به لكان ذلك قبيحا.
وكذلك لو ملّكهم مالا ثم منعهم من الانتفاع به لاستقبح العقلاء هذا الصنيع منه. ولأنه لو كان رزقا للغاصب كما أنه رزق للمغصوب منه أو ملك
__________________
(١) قال عبد الملك الجويني في كتابه الإرشاد ص ٣٠٧ : والذي صح عندنا في معنى الرزق ، أن كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعديا بانتفاعه وبين أن لا يكون متعديا. والفخر الرازي مج ٦ ج ١٢ ص ٧٧.
(٢) في (ب) : قال.
(٣) القفلة : ما له وزن من الدرهم. القاموس ١٣٥٦.
(٤) في (ب) بحذف عليهم.