واحترزنا بقولنا : أوّل الأفعال ، عن التّروك ، فإن وجوب التّرك قد يقارن وجوب النظر في معرفة الله تعالى ، ألا ترى أن المكلف متى توجّه عليه التكليف وهو في زرع الغير ، فكما أنّه يجب عليه التفكّر فإنه يجب عليه الكفّ عن اغتصاب الزرع ، والخروج منه ، وكذلك فإنه قد يجب عليه الكفّ من الكذب (١) والظلم في حال ما يجب عليه النظر في معرفة الله تعالى. واحترزنا بقولنا : التي لا يعرى عن وجوبها مكلف ـ عن ردّ الوديعة وقضاء الدين وشكر المنعم (٢) فإنهما وإن شاركا النظر في كونهما فعلين واجبين. فإنهما يفارقان النظر من حيث إنّ المكلف يعرى عنهما ، بخلاف النظر الذي هو التفكّر ؛ فلهذا قلنا : بأنه (٣) أول الأفعال الواجبة التي لا يعرى عن وجوبها مكلف. وبذلك يثبت الكلام في وجوب التفكر ، وأنه أول الواجبات على الوجه الذي بيّنّاه.
فصل : فيما يلائم ذلك من السّمع :
قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ما خَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) الآية [الروم : ٨]. وقال تعالى : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) الآية [ق : ٦]. ونظائرهما في القرآن كثير.
وعن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «تفكّروا في آلاء الله ، ولا تتفكّروا في الله» (٤).
__________________
(١) في كل النسخ : من الكذب ، والأوجه : عن الكذب.
(٢) في (ب) : وشكر النعمة.
(٣) في (ب) : أنه.
(٤) مجمع الزوائد ١ / ٨١. وابن كثير في تفسيره ج ٧ ص ٤٤١. وابن عدي في الضعفاء ٧ / ٩٥. والطبراني في الأوسط ٦ / ٢٥٠ برقم : ٦٣١٩. وفي كشف الخفاء للعجلوني أحاديث حول هذا ١ / ٣١٠ برقم ١٠٠٤ وما بعده.