فإنّ منهم من أثبت الصانع ، ومنهم من نفاه ، ومنهم من وحّده ، ومنهم منّ ثنّاه ، وكذلك الكلام في هذه المعارف.
فإن قيل : ومن أين أنّ التّفكّر طريق إلى العلم بهذه المعارف؟ ، قيل : لأنه موصل إليها ، فإنّ من نظر في دليل إثبات الصانع حصل له العلم بالصانع دون ما عدى ذلك من المسائل متى تكاملت له شروط النّظر ، وهي أربعة : أحدها : أن يكون الناظر عاقلا ؛ لأن من لا عقل له لا يمكنه اكتساب شيء من العلوم أصلا. والثاني : أن يكون عالما بالدليل ؛ لأنّ من لم (١) يعلمه لم يمكنه أن يتوصل بنظره إلى العلم بالمدلول عليه. والثالث : أن يكون عالما بوجه دلالة الدليل ، وهو التعلّق بين الدليل والمدلول عليه ، فيكون الدليل بأن يدلّ عليه أولى من أن يدل على غيره ، وأولى من أن لا يدل ؛ لأن من لم يعلم ذلك لم يحصل له العلم بالمدلول عليه. والرابع : أن يكون مجوّزا غير قاطع ؛ لأن من قطع على صحة شيء أو فساده لم يمكنه أن ينظر فيه.
فثبت أن التفكر في الأدلة والبراهين موصل إلى معرفة رب العالمين ، وإلى العلم بسائر المعارف المعبّر عنها بأصول الدين. ولا شبهة في أنّ ما يوصل إلى الشيء فهو طريق له ، فإن ذلك مما هو معلوم ضرورة ؛ فإذا ثبت كونه طريقا إلى ذلك ؛ فطريق الشيء يتقدمه. وهذا معلوم ضرورة.
فثبت أنّ التفكر أوّل الأفعال الواجبة التي لا يعرى من وجوبها مكلف.
__________________
بالله سبحانه ، وعالم أنه خالقه. ويروى أنه أصاب الناس قحط شديد فدخلوا عليه فقالوا : يا ربّنا أمطرنا ؛ فوعدهم بالمطر إلى غدهم ، ثم خرج في ليلته منفردا إلى البرّية ؛ فعفر خديه في التراب وسأل الله سبحانه أن يمطرهم ؛ فأمطرهم الله سبحانه أ. ه من هامش ه. أقول : وفي أمطارهم تلبية لطلب فرعون إغواء لقومه إن صحت الرواية ، أو فتنة وابتلاء. والله أعلم.
(١) في (ب) : من لا يعلمه.