والغرض في ذلك لا يجوز أن يرجع إليه تعالى ؛ لأنه لا يجوز أن يفعل فعلا لغرض يرجع إليه تعالى ؛ لاستحالة المنافع والمضارّ عليه ، فلم يبق إلا أن يكون ذلك الغرض راجعا إلينا ، ولا يجوز أن يكون غرضه سبحانه بذلك استدراجنا إلى الهلاك أو إغراءنا (١) بالقبيح ؛ لأنّ ذلك قبيح.
وقد بيّنّا أنه تعالى لا يجوز أن يفعل القبيح فلم يبق إلا أن يكون غرضه بذلك تعريضنا بالتكليف إلى منزلة لا تنال إلا بالتكليف ، وهي المنزلة التي لا شيء أعلى منها في المنافع ، وهي التي نقول : إنها منزلة الثواب ، وهي المنافع الدائمة الخالصة المفعولة على وجه الإجلال والتعظيم ، ولو لا التكليف لما صحّ من المكلّف أن ينال ذلك ، ولا حسن من القديم تعالى أن يرقّيه إلى هذه الرتبة ؛ لأن الابتداء بمثل ذلك لا يحسن ؛ لأن من حقه أن يفعل على وجهه الإجلال والتعظيم ، وهما لا يحسنان إلّا مع الاستحقاق كما تقدم بيانه.
ومعلوم أنّه لو لم يطع المكلّف لم يستحق المدح والتعظيم اللذين يستحقّهما المثاب ؛ فإذن لا يستحقّ هذا المدح والتعظيم إلا مع الطاعة ، ولا تكون الطاعة طاعة إلّا وقد بعث الله تعالى عليها لنفعل (٢). وهذا هو التكليف ؛ فإذن لا سبيل إلى استحقاق الثواب إلا بالتكليف.
ومعنى كون التكليف تعريضا للثواب هو أنه تعالى أعلمنا بوجوب الواجبات وسائر ما ذكرناه في حد التكليف ؛ لنفعل ما يشقّ فعله من ذلك ، ونترك ما يشقّ تركه ؛ لنستحقّ بذلك الثواب ، ومكننا من جميع ذلك مع علمه
__________________
(١) في (ب) : وإغراءنا.
(٢) في (ج) : ليفعل.