تعالى بأنا متى أطعناه في ذلك فإنّه سبحانه يوصلنا إلى الثواب لا محالة ؛ فثبت أن التكليف تعريض لمنافع لا تتم إلا به.
وقلنا : مع تعرّيه عن سائر وجوه القبح ؛ لأنه لو كان فيه وجه من وجوه القبح لما فعله الله تعالى لما ثبت من عدله وحكمته ؛ ولأنّ وجوه القبح محصورة ولا شيء منها في التكليف. أمّا كونه ظلما فلا يتصور في التكليف ؛ لأنه ليس بمضرّة (١). فأما اقتران المشقّة ففي مقابلتها منافع الثواب العلية. وأمّا كونه عبثا فقد بيّنّا أن فيه فائدة عظمى ، وهي كونه تعريضا للثواب. وأمّا كونه تكليفا لما لا يطاق فليس يتصور ذلك إلّا في تكليف الكافر على ما تذهب إليه المجبرة عليهم لعنة الله (٢). وقد بيّنّا في مسألة الاستطاعة أن الكافر قادر على ما كلّفه من الإيمان في حال كفره. وأما كونه كذبا فلا يتصور ذلك فيه ؛ لأن حقيقة التكليف مباينة لحقيقة الكذب. وأمّا كونه مفسدة فليس يتصور ذلك إلا في تكليفين : يكون أحدهما داعيا للمكلّف إلى ترك ما تناوله التّكليف الآخر ، أو يكون تكليف أحد الشخصين مفسدة في تكليف الشخص الثاني ، ولو كان كذلك لما فعله القديم تعالى ؛ لأن المفسدة قبيحة ، وقد ثبت أنه تعالى لا يفعل القبيح.
وإنّما قلنا : بأن كان ما كان تعريضا لنفع عظيم لا ينال إلا به مع تعريه عن سائر وجوه القبح فإنه حسن. فالذي يدل على ذلك ما نعلمه في الشاهد من أنّ كل من عرّض غيره لمنافع عظيمة فقد أحسن إليه ؛ ولذلك يحسن من
__________________
(١) في هامش (ب) : أي مضرة عارية عن جلب نفع كما هي حقيقة الظلم.
(٢) ينظر : الإرشاد ٢٠٤. المجبرة مثل إبليس لعنه الله قال : رب بما أغويتني؟ وهم قالوا : إن الله أجبرهم على فعل المعاصي ، فهم مستحقون للعنة.