يكون قادرا لذاته ، ولا لما هو عليه في ذاته ؛ لأنّه لو كان كذلك لما صحّ خروجه عنها ما دامت ذاته ، وما دام موجودا. ومعلوم خلاف ذلك. وإذا كان قادرا لغيره فلا يخلو أن يكون قادرا بالفاعل أو لعلّة. باطل أن يكون قادرا بالفاعل ؛ لأنه كان يجب أن يصحّ الفعل بكل جزء من أجزاء الفاعل ؛ لأن الصفة بالفاعل ترجع إلى الأجزاء دون الجمل ، ولو كان كذلك لكان يجب أن يكون الواحد منا بمنزلة قادرين ؛ لرجوع هذه الصفة إلى كل جزء من أجزائه.
ومعلوم خلاف ذلك فلم يبق إلا أن يكون قادرا لعلة ثم لا تخلو (١) أن تكون موجودة أو معدومة ، والموجودة لا تخلو أن تكون قديمة أو محدثة. باطل أن يكون قادرا بقدرة معدومة أو قديمة ؛ لأنه يكون في تصحيحها إبطالها ، وكل ما كان في تصحيحه إبطاله فهو باطل على ما تقدم بيان ذلك كلّه ، فلم يبق إلا كون العباد قادرين لمعان تحلّ في أبعاضهم وهي القدر.
وأما الموضع الثالث ـ وهو أن القدر من الأعراض الباقيات وأنها متعلقة بالضدين على الوجه الذي ذكرناه. أمّا إنها من قبل الباقيات فلأنّ من طولب برد الوديعة التي عنده ثم مضى من الوقت مقدار ما يقطع به تلك المسافة ولم يردّها ـ فإن العقلاء يذمّونه على ذلك ، ويعلمون بضرورة العقل حسن ذمّه على الإخلال بردها بعد ذلك ، فلو لا أنّ قدرته حالة المطالبة بردها باقية إلى مضيّ الوقت الذي يمكنه قطع المسافة لما صحّ أن يذمّه العقلاء على الإخلال بردها ؛ لأنه يكون ذمّا للغير على ما لا يقدر عليه ، وذلك قبيح بلا خلاف. وسائر ما يدلّ به على أنها متعلقة بالضدين يدلّ على أنها باقية ، والذي يدل على أنها متعلقة بالضدين أن القول بأنها غير متعلقة بالضدين يؤدي إلى المحال ، وما أدى
__________________
(١) في (ب) : يخلو.