وأما الموضع الثاني ـ وهو في الدليل على صحة ما ذهبنا إليه ، وفساد ما ذهب إليه المخالفون. فإذا أردنا ذلك تكلّمنا في ستة مواضع : أحدها في أنّ العباد قادرون. والثاني أنّ كونهم قادرين إنّما يثبت لهم لمعان تحلّ فيهم وهي القدر.
والثالث في أنّ القدر من الأعراض الباقيات ، وأنّها متعلقة بالضّدّين ؛ فالقدرة على الحركة قدرة على السكون. والقدرة على السكون قدرة على الحركة ، وكذلك سائر الأفعال المتضادّة كالعلم والجهل ، والإرادة ، والكراهة ونحوها ، بمعنى أنّه يمكن إيجاد كلّ واحد من الضّدّين بدلا عن صاحبه. والرابع أنّها متقدمة على المقدورات ، وغير موجبة لها. والخامس في بيان طرف ممّا يؤكد ذلك من أدلة الشرع. والسادس فيما يتعلقون به من الآيات المتشابهة وبيان معانيها.
أما الموضع الأول ـ وهو (١) أنّ العباد قادرون. فالذي يدلّ على ذلك أنّا قد بيّنّا أنّ العباد هم المحدثون لأفعالهم وتصرفاتهم ، بمعنى أنه كان يمكنهم قبل إحداثها أن يحدثوها وأن لا يحدثوها ، وأن العلم بذلك على سبيل الجملة ضروري ، وهو أحد علوم العقل. وبيّنّا في بيان الصفات أن كل من صحّ منه الفعل يجب أن يفارق من تعذّر عليه ذلك بمفارقة لو لا ها لما صحّ منه ما تعذّر على الآخر ، وأنّ تلك المفارقة هي التي عبّر عنها أهل اللغة بكونه قادرا.
وأما الموضع الثاني ـ وهو أنّ كونهم قادرين إنما يثبت لمعان تحلّ فيهم وهي القدر والذي يدلّ على ذلك أنه قد ثبت كون الواحد منّا قادرا ، فلا يخلو أن يكون قادرا لذاته كما يقول النّظّام ومن تابعه ، أو لا لذاته. باطل أن
__________________
(١) في (ب) : وهو في.