تعالى يعذب أطفال المشركين في النّار بذنوب آبائهم (١). ويتفرع على أصول جميع الجبرية التي تقدم ذكرها أنّه يحسن من الله تعالى أن يعذب الأنبياء في نار جهنم. وأن يثيب الفراعنة ، وأن يخلق حيوانا في نار جهنم ليعذبه فيها أبدا.
وأما الموضع الثالث : وهو في صحة الدلالة (٢) على ما ذهبنا إليه. وفساد ما ذهب إليه المخالفون من أدلة العقل ؛ فالذي يدل على ذلك أنّ المجازاة بالثواب والعقاب لمن لا يستحق ذلك تكون قبيحة والله تعالى لا يفعل القبيح. وإنّما قلنا : بأنّ المجازاة بالثواب والعقاب لمن لا يستحق ذلك تكون قبيحة. أمّا أنّ المجازاة بالعقاب لمن لا يستحقّ تكون قبيحة ـ فلأنها ظلم ، والظّلم قبيح. وإنما قلنا : إن المجازاة بالعقاب لمن لا يستحقّه تكون ظلما ؛ فلأنّ الظّلم هو الضّرر الذي يوصله الفاعل إلى غيره لا لنفع يصل إلى ذلك الغير ، ولا لدفع ضرر عنه ، ولا لاستحقاق ، ولا للظّن لأحد الوجهين المتقدّمين ، ولا يكون في الحكم كأنّه من جهة غير فاعل الضّرر سواء كان هو المضرور أو غيره (٣).
__________________
(١) ينظر الإبانة ص ٣٣ ، فإنه ذكر أنهم يعتقدون في أطفال المشركين أن الله تعالى يؤجج لهم في الآخرة نارا ثم يقول لهم اقتحموها. وقد رد عليهم القاضي عبد الجبار في متشابه القرآن ٢ / ٦٧١ حيث قال في قوله تعالى : (وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ) : يدل على بطلان القول بأنه تعالى يعذب أطفال المشركين ؛ لأنه أورد ذلك منبها على أنه لا ذنب لها ، وأن الذنب للوائد. ولو كان تعالى يعذبها أبدا لم يكن لهذا معنى ؛ لأن التعذيب الدائم أعظم من قتل الوائد لها ، فلئن جاز أن تعذب ، ولا ذنب لها ؛ ليجوزون القتل المتقدم ، وإن لم يكن لها ذنب ، ويدل على ذلك أن الكافر لم يخلق كفره فيه ؛ لأنه لو كان كذلك لكان حاله حال الموؤدة في أنه لا ذنب له ، من حيث أدخل في الكفر على وجه لا يمكنه اختيار خلافه.
(٢) في (ب) : في الدلالة على صحة.
(٣) سيأتي مثاله فيمن يقتل معتديا فإن القتل كأنه من غير القاتل ؛ لأن الذي دعى إليه هو العدوان.