يوضح أن لا فعل للعبد. والجواب : أنّ علماء التفسير ما ذكروا شيئا من ذلك ، بل منهم من قال : معنى (يُسَيِّرُكُمْ) ، أي يحملكم بالأمر على السّير (١). وقيل : سبب تسييركم في البر على الظهور ، وفي البحر على السفن. وقيل : تسخير الجمال في البر ، والرياح في البحر ، وذلك شايع في اللّغة كما يقول الرجل : سيّرت الدابّة ، وسيّر الملك عسكره.
ومن ذلك قول الله سبحانه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) [الأنفال : ١٧] قالت : الحشويّة القدرية : فأضاف قتلهم ورميهم إلى نفسه ، وبيّن أنّهم لم يقتلوهم ، ولم يرم النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنما رمى الله تعالى (٢).
والجواب : أن الظاهر يقتضي ما لا يقول به مسلم ، وذلك يوجب في كل قتيل أن يكون الله قتله دون القاتل ، وذلك يوجب قتله ، وهذا يبطل كثرة ما عاب الله تعالى الكفار بقتل الأنبياء والمؤمنين (٣) ، ويوجب أن يطلق القول بأنّ أحدا لم يقتل أحدا ، وهذا خروج من الدّين ، والإجماع ، وإبطال كثير من الآيات. ويوجب ظاهر لفظ الآية أنّه متناقض ؛ لأنه قال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ) [الأنفال : ١٧] ، فنفى بالأول الرّمي عنه ، وأثبته له بالرّمي الثاني. وإذا كان الجري على الظاهر يؤدي إلى ما قلناه سقط التعلّق به. وإذا وجب الرجوع إلى التأويل قلنا : إنّ قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) خطاب للمؤمنين يعني : أيّها المؤمنون لم تقتلوا المشركين بحولكم وقوّتكم (وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) حيث سبّب في قتلهم بنصركم وخذلانهم ، وقوّى قلوبكم ، وألقى في قلوبهم
__________________
(١) الرازي مج ٩ ج ١٧ ص ٧٠. والكشاف ج ٢ / ٣٣٨.
(٢) متشابه القرآن ق ١ / ٣١٧ مسألة ٢٧٧. وتفسير الطبري مج ٦ ج ٩ ص ٢٦٩ وما بعدها. والألوسي مج ٦ ص ٢٦٧ وما بعدها.
(٣) متشابه القرآن ق ١ ص ٣١٨.