فالعجب من هؤلاء الجهّال كيف نفوا الضروريات ، واعتمدوا على التخيّلات والوهميّات. ثمّ يقال لهم على جهة التنبيه : إنّ هذه الأفعال التي نقول بأنها أفعالنا يتعلق بها المدح ، والذمّ ، والتهديد ، والنّهي ، والأمر ، والردع ، والزجر ، والوعد ، والوعيد ، على ما ذلك معلوم ضرورة. فكل (١) ما هذه حاله فهو فعلنا بدليل أنها لو لم تكن فعلنا لجرت مجرى أفعال الله فينا ، نحو ألواننا وصورنا ، فكما أنه لا يتعلّق بها شيء من هذه الأمور ، كذلك كان يجب في أفعالنا ؛ ولأنها تحصل بحسب قصودنا ودواعينا وقدرنا وعلومنا وإرادتنا وأسبابنا ، وتنتفي بحسب كراهتنا وصارفنا مع سلامة الأحوال ، وارتفاع الموانع ، إما محقّقا نحو فعل العالم بفعله ، وإمّا مقدّرا نحو فعل الساهي والنائم ، فلو لا أنها أفعالنا لما حصلت بحسب ذلك ، كما لا تحصل بحسبه أفعال غيرنا فينا ، نحو ما تقدم ذكره من الألوان والصّور والشّواهة والحسن والقصر والطّول.
واعلم أن مذاهب هؤلاء الجهال القدريّة الضّلال يؤدي إلى زوال الفائدة ببعثة الأنبياء ، وإرسال الرّسل الأصفياء ، وإلى زوال التفرقة بين الأعداء والأولياء ، بل يسدّون على أنفسهم باب معرفة الله تعالى لأنهم لا يقولون بالفاعل المختار في الشّاهد ، ولا طريق إلى معرفة الله تعالى إلا فعله (٢) ، فلا طريق إذن. وكفى بذلك جهالة وغواية وضلالة.
وأما الكسب فهو غير معقول في نفسه فنحتجّ على فساده ، بل يكفي
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : وكل.
(٢) على قول من يقول : لا طريق إلى معرفة الله إلا بالقياس على الشاهد ؛ أي أنه لا بد لكل فعل من فاعل ، بل صرح أبو هاشم أنه لا طريق إلى معرفة الله إلا القياس على الشاهد.