ويقولون : إنّ كلّ ما يتعدى من أفعالهم إلى غيرهم وهي (١) المتولّدات والمسبّبات فإن الله فاعلها ، وهو الذي يسمونه انفعالا. ومن الظاهر الجلي أنّهم يقولون : بأن فعل العبد لا يعدوه ولا يوجد في غيره.
وأما الموضع الثالث :
وهو في الدليل على صحّة ما ذهبنا إليه ، وفساد ما ذهب إليه المخالفون.
فاعلم أنّ كون العبد فاعلا لتصرفاته أمر معلوم بالاضطرار ، لا يقدح في ثبوته الإنكار ؛ فمنكره كمنكر كون دجلة في الأنهار ، ونافيه كنا في ظلمة الليل وضياء النهار. وما هذه حاله لا يحتاج فيه إلى نصب دلالة ؛ لأن الدّلالة تؤدى إلى علم استدلاليّ ، وهو مما يجوز انتفاؤه (٢) عن النّفس بالشك والشّبهة. والضروريّ لا يجوز انتفاؤه (٣) عن النفس بشك ولا شبهة. وقد ألهم الله تعالى البهائم ضربا من الإلهام يميّزون (٤) به بين الفاعلين للأفعال ؛ فإن فاعلين لو أحسن أحدهما إلى بعض الكلاب بالطعام ونحوه. والفاعل الآخر لا يطعمه الطعام ، ويرميه بالحجارة ونحو ذلك من الإساءات لميّز الكلب بين المحسن والمسيء في ذلك ، ولفرّق بينهما. يبيّن ذلك ويوضحه أنّ الكلب يأنس بمن يطعمه الطعام ، وإذا رآه أتى إليه ، وتبصبص بذنبه ، بخلاف من يسيء إليه ، فإنه لا يأنس إليه (٥) ، بل يهرّ عليه إذا رآه ، فإن (٦) قدر عليه هرشه ، وإن لم يقدر عليه شرد منه.
__________________
(١) في (ب) : وهو.
(٢) في (ب) : ابتعاده.
(٣) في (ب) : ابتعاده.
(٤) في (ب) : تميز.
(٥) في (ب) ، و (ج) : لا يأنس به.
(٦) في (ب) : وإن.