وقوله تعالى : (إِنَّما يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [الأنبياء : ١٠٨].
فثبت أنه تعالى واحد لا ثاني له يشاركه في القدم ولا في الإلهية ، وبطل ما ذكره المخالفون ، فثبت بجميع ما تقدم أنه تعالى لا يخرج عن صفة من الصفات بل يجب اختصاصه دائما بالنفي منها والإثبات ؛ لما ثبت بما تقدّم من أنّه لا فاعل له يجعله على هذه الصفات ، ولا علّة تؤثّر فيه في حالة من الحالات ، فكانت واجبة لله تعالى ، واستغنى بقدمه عن كل مؤثّر من فاعل وعلة ، ولزم ثبوتها في جميع الأحوال ؛ لأنه لا مخصّص يخصّص ثبوتها في حال دون حال ؛ فلزم ثبوتها في جميع الأحوال ، وقد قال تعالى : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [البقرة : ٢٩] ، وقال تعالى : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [المائدة : ١٢٠].
وخرجت أيها المسترشد باعتقاد ما تقدّم عن اعتقادات الباطنية ، والمشبّهة ، والكرّامية ، والأشعرية ، والهشامية (١) ، والضرارية ، وسائر الصفاتية ، وزايلت المجوس ، والثّنوية ، والنصارى : النسطورية (٢) ، واليعقوبية (٣) ، والملكية (٤) ، وبتمام الكلام في هذه المسائل كملت مسائل التوحيد ، فلنتكلم في مسائل العدل وما يتفرع عليها فنقول وبالله التوفيق :
__________________
(١) أصحاب هشام بن الحكم المتوفي ٢٧٩ ه ، من متكلمي الشيعة الإمامية ، وجرت بينه وبين أبي الهذيل مناظرات في علم الكلام.
(٢) أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمن المأمون ، وتصرف في الإنجيل بحكم رأيه. الملل والنحل ٢ / ٦٤ بهامش ابن حزم.
(٣) اليعقوبية : نسبة إلى يعقوب ، وهي فرقة من النصارى قالوا بالأقاليم الثلاثة إلا أنهم قالوا انقلبت الكلمة لحما ودما ، فصار الإله والمسيح ، وهو الظاهر بجسده بل هو هو. الملل والنحل للشهرستاني ٢ / ١٦ بهامش ابن حزم.
(٤) الملكائية : أصحاب ملكا الذي ظهر بالروم ، واستولى عليها ومعظم الروم ملكائية. ينظر الملل والنحل ٢ / ٦٢ بهامش ابن حزم.