إمّا أن يوجد ما أراده جميعا فيكون محتركا ساكنا في حالة واحدة ، وذلك محال. وإمّا أن لا يوجد مرادهما جميعا فذلك لا يجوز ؛ لأنه يؤدي إلى عجزهما جميعا وخروجهما عن كونهما قديمين في حالة واحدة وذلك محال. وإما أن يوجد مراد أحدهما دون الآخر فهذا باطل ؛ لأنهما على هذا القول قد اشتركا في صفات الذّات فلا مخصّص بذلك لأحدهما دون الآخر. وقد أدى إلى هذه المحالات القول بصحة التّمانع ، وأدّى إلى القول بصحة التمانع القول بالقديم الثاني والإله الثاني ، أو بأكثر من ذلك ؛ فيجب أن يكون محالا ، فلم يبق إلا أنه تعالى واحد لا ثاني له في القدم ولا في الإلهية.
وأما الموضع الرابع : وهو فيما يؤكد ذلك من أدلة السمع ؛ فعلى ذلك أدلة ـ منها : أن المعلوم ضرورة من دين نبينا محمد الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الأكرمين أنّ الإله واحد لا ثاني له ، ولا قديم غيره. بل هو المعلوم من دين جميع الأنبياء المرسلين (١) ضرورة ، فلا يجوز القول بخلافه. ومنها : ما نبّه الله تعالى عليه من دليل التّمانع ، وهو قوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) [المؤمنون : ٩١] تنبيه على الممانعة والمغالبة التي ذكرناها وبيّنّا وجهها ، وكذلك قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] ؛ فإنه تنبيه على ما ذكرنا من التمانع. ومنها : قوله تعالى : (وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) ، وقوله تعالى : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) [محمد : ١٩] وقوله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إلى أخر السورة ، وقول الله تعالى : (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : ٢٥٥] وقوله تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] ،
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : والمرسلين.