لأنّ الغرض أن تؤخذ عنهم الألفاظ دون المعاني والاعتقادات ؛ لأنّ ذلك لا يخصّهم ، بل يتبع العقول والحجج ، ولا يصح قول من قال : إنّ الإله هو من يستحقّ العبادة ؛ لأن ذلك يؤدي إلى أن لا يكون إلها في الأزل ، وذلك محال ؛ فثبت أن الإله من تحقّ له العبادة ، وإنما قلنا : إنّه لا تحقّ له العبادة إلا بأن يكون على هذه الأوصاف ؛ لأن العبادة هي غاية التذلّل والخضوع والتعظيم للمعبود ، فيجب أن لا تستحقّ إلا على أصول النعم وأجلّها ؛ لأن التعظيم يتزايد بحسب تزايد أسبابه ؛ ولهذا لا يحسن منّا أن نعظم الأبناء على حد تعظيم الآباء ، ولا الآباء على حد تعظيم العلماء ، ولا العلماء على حد تعظيم الأئمة ، ولا الأئمة على حد تعظيم الأنبياء ، فإذا كان التعظيم يتزايد بحسب تزايد أسبابه ، وثبت أن العبادة غاية التذلّل والخضوع للمعبود ـ ثبت أنها لا تستحقّ إلّا على أصول النعم وأجلّها ، وهو إيجاد المعدوم ، وجعله حيّا ، وخلق حياته (١) ، وخلق شهوته ، وتمكينه من المشتهى (٢) ، وإكمال عقله الذي يميّز به بين الحسن والقبيح ، وذلك لا يصحّ إلا ممن كان قادرا على جميع أجناس المقدورات عالما بجميع المعلومات ، ولا تكون نعما إلا متى قصد بها وجه الإحسان ، ولا نعلم أنه قصد بها وجه الإحسان إلا متى علمنا كونه عدلا ، ولا نعلم كونه عدلا إلا متى علمنا كونه غنيا ، فثبت ما قلناه من أنه لو كان معه إله ثان لوجب أن يكون عالما بجميع المعلومات ، قادرا على جميع أجناس المقدورات ، غنيا عن كل شيء وإنما قلنا بأن ذلك لا يجوز لوجهين :
أحدهما : أن ذلك يؤدّي إلى مقدور بين قادرين ؛ لأنّا لا نعني بمقدور بين
__________________
(١) المراد الحياة المدركة المتحركة.
(٢) في (ب) ، و (ج) : المشتهيات.