لا على سبيل الإيجاب بل على سبيل الصّحّة والاختيار. ثم أبطلوا العلل كلّها من المعدومة والموجودة ، ومن القديمة والمحدثة ، فبقي أنه فاعل ، فلو جاز مع ذلك أن يقال : بأنهم فاعلون قدماء مع كون الدّلالة قد دلّت على هذا الوجه لجوّزنا في كلّ دليل أن يكون إنما دلّ على مدلولات كثيرة ، وذلك ينفي العلوم الضرورية بتعلق (١) الفعل بفاعله ؛ لأنه يجوز (٢) أن يقال بأنه يدلّ (٣) عليه وعلى تأثير غيره معه فيجوز في أفعال غيرنا أن تكون الحركة الواحدة منها تدل على فاعلين كثير (٤) ، مع أنها إنّما دلت على أنه لا بدّ من مؤثّر فيها فحسب ، وهذا يزيل التّفرقة بين ما هو من فعلنا وبين ما هو من فعل غيرنا فينا ، مع أنّ حصول التّفرقة في ذلك ضروريّ ؛ فثبت أنّ العالم إنما يدل على إثبات قديم واحد لا ثاني له ، وصح أنه لا طريق إلى إثبات قديم ثان فما زاد عليه.
وأما الأصل الثاني : وهو أن كل ما لا طريق إلى إثباته فهو باطل ؛ فلأنّ ذلك يؤدّي إلى فتح باب الجهالات ، وما أدى إلى ذلك وجب نفيه ، وإنّما قلنا : إنه يؤدي إلى فتح باب الجهالات ، لأنا متى جوّزنا ثبوت ما لا يصحّ أن يعلم بنفسه ولا بطريق ـ أدّى ذلك إلى إبطال العلوم الضرورية والاستدلالية. أما الضرورية فأن (٥) يجوّز العقلاء أن يكون بحضرتهم مياه عظيمة ، ونيران متأجّجة ، وبحار زاخرة ، مع أنهم لا يعلمونها ؛ لتجويزهم أن يكون هناك مانع من مشاهدة ذلك سوى الموانع المعقولة ، ولا طريق لهم إلى العلم بها ـ فيكون
__________________
(١) في (ب) ، (ج) : لتعلق.
(٢) في (ب) : لأنه لا يجوز بأن. وفي (د) : لا يجوز أن بأنه دل.
(٣) في (ب) و (ج) : دلّ.
(٤) في (ب) و (د) : كثيرين. والأولى كثير ، مثل (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ).
(٥) في (ب) : إن شرطية جوابها «فيكون» ، وكان المفترض أن يجزم ، والأصح أن.