[قال ابن كثير : ومن زعم من المفسرين كقتادة وغيره أنّ أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين فقول ضعيف (١) ، وإنما عمدتهم شيئان :
أحدهما : أنه قال : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل : «أخوهم» كما قال : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) [الأعراف : ٨٥].
والثاني : أنه ذكر عذابهم ب (يَوْمِ الظُّلَّةِ) وذكر في أولئك «الرجفة (٢) والصيحة» (٣) والجواب عن الأول : أنه لم يذكر الأخوة بعد قوله : (أَصْحابُ الْأَيْكَةِ) لأنه وصفهم بعبادة الأيكة ، فلا يناسب ذكر الأخوة هاهنا ، ولما نسبهم إلى القبيلة ساغ ذكر شعيب بأنه أخوهم. وأما احتجاجهم ب (يَوْمِ الظُّلَّةِ) فإن كان دليلا على أنهم أمة أخرى فليكن تعداد «الرجفة ، والصيحة» دليلا على أنهما أمتان ، ولا يقوله أحد.
وأيضا فقد ذكر الله عن أهل الأيكة من المذمة ما ذكره عن أهل مدين من التطفيف في المكيال والميزان ، فدلّ على أنهم أمة واحدة أهلكوا بأنواع من العذاب ، وذكر في كل موضع ما يناسب ذلك الخطاب ، فاجتمعوا تحت الظلّة ، ورجفت بهم الأرض من تحتهم ، وجاءتهم صيحة من السماء](٤).
قوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) الناقصين لحقوق الناس بالكيل والوزن. واعلم أنّ الكيل على ثلاثة أضرب : واف ، وطفيف ، وزائد. فأمر بالواجب الذي هو الإيفاء بقوله : (أَوْفُوا الْكَيْلَ) ونهى عن المحرم الذي هو التطفيف بقوله : (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) ، ولم يذكر الزائد ، لأنه إن (٥) فعله فقد أحسن ، وإن لم يفعله (٦) فلا إثم عليه. ثم (٧) لما أمر بالإيفاء بين كيف يفعل ، فقال : (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ)(٨). قرىء : «بالقسطاس» مضموما ومكسورا (٩) ، وهو : الميزان وقيل : القرسطون (١٠)(وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ). يقال بخسه حقه : إذا نقصه إياه (١١) ، وهذا عام في كل
__________________
(١) انظر تفسير ابن كثير ٣ / ٣٤٥.
(٢) قال الله تعالى : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ»[الأعراف : ٩١].
(٣) قال الله تعالى : «وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ»[هود : ٩٤].
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) في ب : لأن إنه.
(٦) في ب : يفعل.
(٧) ثم : سقط من ب.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣.
(٩) فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وعاصم في رواية أبي بكر «بالقسطاس» بضم القاف وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم «بالقسطاس» بكسر القاف. السبعة (٣٨٠) الكشف ٢ / ٤٦.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٣. في لسان العرب : (قسطس) : القسطاس والقسطاس أعدل الموازين وأقومها ... الزجاج : قيل : القسطاس : القرسطون ، وقيل : هو القبان.
(١١) البخس : النقص ، بخسه حقّه يبخسه بخسا إذا نقصه. اللسان (بخس).