في هذا الباب (١) قال شهاب الدين : نسبة التصحيف إلى هؤلاء غير محمودة (كما أن تغالي) (٢) الهذلي في اختيار الشاذة غير محمود (٣).
قوله : «فوكزه» أي : دفعه بجميع كفّه (٤) ، والفرق بين الوكز واللّكز : أنّ الأول بجميع الكف والثاني : بأطراف الأصابع ، وقيل بالعكس ، وقيل : اللكز في الصدر ، والوكز في الظهر (٥) ، والنّكز كاللّكز قال :
٣٩٧٩ ـ يا أيّها الجاهل ذو التّنزّي |
|
لا توعدني حبّة بالنّكز (٦) |
وقرأ ابن مسعود «فلكزه» (٧) و «فنكزه» (٨) باللام والنون.
قوله : «فقضى» أي : موسى ، أو الله تعالى ، أو ضمير الفعل أي (٩) : الوكز (١٠)(فَقَضى عَلَيْهِ) أي : أماته ، وقتله ، وفرغ من أمره ، وكل شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه ، فندم موسى ولم يكن قصده القتل ، فدفنه في الرمل (١١) ، و (قالَ : هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) فقوله : «هذا» إشارة إلى القتل الصادر منه ، و (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) أي : من وسوسته وتسويله.
فصل
احتج بهذه الآية من طعن في عصمة الأنبياء من وجوه :
أحدها : أن ذلك القبطي إما أن يكون مستحق القتل أو لم يكن كذلك ، فإن استحق القتل فلم قال : (هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ)؟ ولم قال : (ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ، فَغَفَرَ لَهُ)؟ وقال في سورة أخرى (فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) [الشعراء : ٢٠]. وإن لم يستحق القتل كان قتله معصية وذنبا.
وثانيها : أنّ قوله : (هذا مِنْ عَدُوِّهِ) يدل على أنه كان كافرا حربيا ، فكان دمه مباحا ،
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.
(٢) ما بين القوسين سقط من ب.
(٣) الدر المصون ٥ / ٢١٣.
(٤) انظر اللسان (وكز).
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٦٠ ، القرطبي ١٣ / ٢٦٠ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٣.
(٦) رجز قاله رؤبة ، وهو في ديوانه (٦٣) ، الكتاب ٢ / ١٩٢ ، المقتضب ٤ / ٢١٨ ، أمالي ابن الشجري ٢ / ١٢١ ، ابن يعيش ٦ / ١٣٨ ، اللسان (نكز) ، المقاصد النحوية ٤ / ٢١٩.
التنزي : خفة الجهل ، وأصل التنزي : التوثب. النكز : الضرب والدفع ، وهو موضع الشاهد هنا.
واستشهد به النحاة على أن (ذو التنزي) نعت الجاهل مرفوع مع أنه مضاف ، لأن الجاهل غير منادى فليس في موضع نصب حتى تنصب صفته على المحل.
(٧) انظر المختصر (١١٢) ، الكشاف ٣ / ١٦٠ ، تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.
(٨) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٧٥ ، البحر المحيط ٧ / ١٠٩.
(٩) في ب : إلى. وهو تحريف.
(١٠) انظر البحر المحيط ٧ / ١٠٩.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٣٢٧.