وإمّا (١) : جعلناه أوصالا أي : أنواعا من المعاني ـ قاله مجاهد (٢) ـ وقرأ الحسن بتخفيف الصاد (٣) وهو قريب مما تقدم ، قال ابن عباس ومقاتل : وصّلنا : بيّنا لكفار مكة ـ بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية ـ كيف عذبوا بتكذيبهم (٤) ، وقال ابن زيد : وصلنا لهم القول : خبر الدنيا بخبر الآخرة ، حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا (٥)(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، ثم لما أقام الدلالة (٦) على النبوة أكد ذلك بقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ)(٧).
قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ) مبتدأ و «هم» مبتدأ ثان و «يؤمنون» خبره ، والجملة خبر الأول (٨) ، و «به» متعلق ب «يؤمنون» ، وقد يعكّر (٩) على الزمخشري وغيره من أهل البيان ، حيث قالوا : التقديم يفيد الاختصاص وهنا لا يتأتى ذلك ، لأنهم لو خصّوا إيمانهم بهذا الكتاب فقط لزم كفرهم بما عداه وهو عكس المراد وقد أبدى أهل البيان هذا في قوله : (آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) [الملك : ٢٩] فقالوا : لو قدّم «به» لأوهم الاختصاص بالإيمان بالله وحده دون ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وهذا بعينه جار هنا ، والجواب : أن الإيمان بغيره معلوم فانصبّ الغرض إلى الإيمان بهذا.
فصل
قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وقيل : من قبل القرآن (هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ) ، قال قتادة : نزلت في (أناس من) (١٠) أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه (١١). وقال مقاتل : هم أصحاب السفينة الذين قدموا من الحبشة أربعين رجلا من أهل الإنجيل وآمنوا بمحمد ـ صلىاللهعليهوسلم (١٢) ـ.
قال سعيد بن جبير : قدموا مع جعفر من الحبشة على النبي صلىاللهعليهوسلم (١٣) فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة قالوا : يا نبيّ الله إن لنا أموالا فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها ، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين فنزل فيهم (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) إلى قوله : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)(١٤) ، وعن ابن عباس قال : نزلت (١٥) في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية
__________________
(١) في ب : وإما من.
(٢) انظر البحر المحيط ٧ / ١٢٥.
(٣) المختصر (١١٣).
(٤) انظر البغوي ٦ / ٣٤٩ ـ ٣٥٠.
(٥) انظر البغوي ٦ / ٣٥٠.
(٦) في ب : الدلائل.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦٢.
(٨) انظر التبيان ٢ / ١٠٢٢.
(٩) في ب : تفكر. وهو تحريف.
(١٠) في النسختين : موسى. والتصويب من الفخر الرازي.
(١١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٦٢.
(١٢) انظر البغوي ٦ / ٣٥٠.
(١٣) في ب : صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم ومجد وعظم.
(١٤) انظر البغوي ٦ / ٣٥٠.
(١٥) في ب : أنها نزلت.