بخطاب لها في الحقيقة قولهم : (وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ)(١) قوله : (إِذْ نُسَوِّيكُمْ). «إذ» منصوب إما ب «مبين» (٢) ، وإما بمحذوف ، أي : ضللنا في وقت تسويتنا لكم بالله في العبادة (٣). ويجوز على ضعف أن يكون معمولا ل «ضلال» ، والمعنى عليه إلا أن ضعفه صناعي وهو أن المصدر الموصوف لا يعمل بعد وصفه (٤).
فصل
«نسويكم» نعدلكم (بِرَبِّ الْعالَمِينَ) فنعبدكم ، (وَما أَضَلَّنا) : دعانا (٥) إلى الضلال (إِلَّا الْمُجْرِمُونَ). قال مقاتل : يعني : الشياطين (٦).
وقال الكلبي : إلا أولونا الذين اقتدينا (بهم) (٧)(٨).
قوله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) أي : من يشفع لنا؟ كما نرى المؤمنين لهم شفعاء من الملائكة والنبيين والمؤمنين ، (وَلا صَدِيقٍ) وهو الصادق في المودة بشرط الدين. قال جابر بن عبد الله : سمعت رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يقول : «إن الرجل ليقول في الجنة : ما فعل صديقي فلان؟ وصديقه في الجحيم ، فيقول الله تعالى : أخرجوا له صديقه إلى (٩) الجنة. فيقول من بقي : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ)(١٠).
قال الحسن : «استكثروا من الأصدقاء المؤمنين ، فإن لهم شفاعة يوم القيامة» (١١) والحميم : القريب ، من قولهم : حامة فلان ، أي : خاصته (١٢).
وقال الزمخشري : الحميم : من الاحتمام ، وهو الاهتمام أو من الحامة (١٣) وهي الخاصة ، وهو الصديق الخالص (١٤) والنفي هنا يحتمل نفي الصديق من أصله ، أو نفي صفته فقط (١٥) ، فهو من باب:
٣٩١٤ ـ على لاحب لا يهتدى بمناره (١٦)
و «الصديق» يحتمل أن يكون مفردا وأن يكون مستعملا للجمع ، كما يستعمل
__________________
(١) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٢.
(٢) في الآية التي تسبقها من السورة نفسها.
(٣) انظر التبيان ٢ / ٩٩٨.
(٤) المرجع السابق.
(٥) في ب : ادعانا.
(٦) انظر البغوي ٦ / ٢٢٥.
(٧) المرجع السابق.
(٨) ما بين القوسين سقط من ب.
(٩) في الأصل : في.
(١٠) ذكره البغوي بسنده ٦ / ٢٢٥ ـ ٢٢٦.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٢٦.
(١٢) انظر اللسان (حمم).
(١٣) في ب : الحمامة. وهو تحريف.
(١٤) الكشاف ٣ / ١١٩.
(١٥) لأنه إذا انتفت صفه الصديق فلا فائدة فيه ، فيصير كأنه معدوم. البحر المحيط ٧ / ٢٨.
(١٦) صدر بيت من بحر الطويل ، قاله امرؤ القيس ، وعجزه :
إذا سافه العود النباطيّ جرجرا
وقد تقدم.